قصة يوسف المعرضَة في قناة الكوثر من تفاسير الشيخ الحجاري الرميثي 15 جزء بالصورة والحر
الجِزْءُ الرابع
(يُوسُفُ فِي البِئْرِ وَمَعَهُ جُبْرائِيلَ)




((أوْلادُ يَعقُوب يَحمِلُونَ قَمِيص يُوسُف مُلَطَخٌ بِدَّمٍ إلى أبيهِم))
(وَجَاءُوا أَبَاهُـمْ عِـشَاءً يَبْكُونَ) فِي ظَلْمَةِ اللَّيْلِ البَهِيم حَتى لاّ يُـكتَشَف
بكائَهُم مِنْ غَـيْرِ وقُوعِ الدَمْعِ عَلى الخَدَيْـن,, فَوَجَدُوا يَعقـُوبَ وَعيالَـهُ
قاعِدِينَ عَلى قارعَةِ الطَريق يَنتَظِرُونَ مَتى يَأتُونَ بِيُوسُف، فَلَّمَا دَنـُوا
مِنْهُ صُرخُوا بِوَجْهِهِ صَرْخَةً واحِدَةً وَرَفَعُوا أصْواتَهُم بالبُكاءِ، فَندَهَشَ
يَعقُوب مِنْ أمْرِهِم وَعَلِمَ قَد أُصِيبُوا بِمُصِيبَةٍ, فَلَّمَا رَآهُم اجْتَمَعُوا صَفاً
وَاحِداً وَشَقُوا جيُوبَهُم وَحَثُوا التُرابَ عَلى رِؤُوسِهِم:فَزَعَ يَعقُوب وَقالَ
مَا بالِكُم هَلْ أصابَكُم فِي غَنَمِيكُم شَيءٌ: قالُوا (لاّ) قالَ إذاً وَأيْنَ يُوسُف
(قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ) فِي الجَري لِيَتَبَيَّنَ أيُّنا أسْرعَ رَكْضاً مِنْ
أخِيهِ سَبْـقاً (وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْـدَ مَتَاعِنَا) لِيَحرِسُهُ مِـنَ الأغـْنامِ (فَأَكَلَـهُ
الذِّئْبُ) لِبُعْدِنَّا عَنهُ (وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَـنَا) أيْ بِمُصَّدِقٍ لِخَبَرِنَّا عَمَّا أكَلَهُ
الذئِبُ (وَلَـوْ كُنَّا صَادِقِينَ) بِقَوْلِنَّا المَأخُوذ مِـنْ عَلائِـمِ حُزنِنِّا عَلَيْهِ الذِي
لاَ يُـكادُ أنْ يَخْرُجَ مِـنْ حَـرارَةِ صِدُورِنَّا, وَتِلْكَ العَبَراتِ التِي تَفِيضُ بـهِ
عُيُونَنَّا, وَبِمَّا إنَـنَّا قََـَد ضَمَنَّا لَكَ أنْ لاّ يَأكُلَهُ الذِئْبُ لِعَدَدِنَّا حَوْلَـهُ فََصِرنَّا
غَيْرُ مُصَدَقِينَ عِندَكَ بِخَبَرِهِ,,
فاصْطنَعُوا البُـكاءَ ظَـناً لِيَكُـونَ أبُـوهُم أصْـدَقُ لِعُذرِهِم لاّ لِغـَدرهِم بِقَتـْلِ
أخِيهِم لِيَنْهَضَ بِتَصْدِيقِ حِجَتِهِم المَغمُوسَةِ بِالكِذبِ,, فَلَّمَا سَمَعَ يَعقُوب
خَبَرَ وَلَدِهِ يُوسُف أكَلَهُ الذِئْبُ سَقطَ عَلى وَجهِْهِ إلى الأرضِ مَغشِياً عَلَيهِ
فَقالَ يَهُوذا: الوَيْـلُ لَكُم لَقـَد ابتَلَيْنَّا بأبِينَّا إنَـهُ يَمُوت عَلى وَلَـدِهِ يُوسُـف
وَأهْلُ القَريَةِ قَـَد فَزَعُوا عَلى صُراخِ النِساءِ فَمَّا تَصْنَعُونَ,,
قالُوا دَلِيلُنَّا قَمِيصُ يُوسُف,فَلَمَّا أفاقَ يَعقوب مِنْ مَآقِهِ طَلَبَ اسْتِدراجَهُم
إليْهِ فوَضَعُوا قَمِيصَ يُوسُف بَينَ يَدَيهِ مُلَطَخٌ بدَمِ كِذبٍ يَعتَبرُونَهُ بُرهاناًَ
عَلى صِدْقِ دَعواهِم: وَقالـُوا, يا أبانَا لَقـَدْ وَقَََعَ بأخِينَّا يُوسُفَ عَلى حَـدِ
قَوْلِكَ مَا كُنتَ تَتَوَقعَهُ وَتَحذَرهُ وَتَخْشاهُ عَليْـهِ بالأمْسِ أنَ أَراضِينَّا مُذأبَةٌ
بالسِباعِ الضارِيَةِ فأكَلَهُ الذِئْبُ فِي غَيْبَتِنا عَنهُ,,
(وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ) لاَ يُطِيبَ لَـهُ الأكْـلُ وَالشَراب, حَزيناً عَلى
وَلَدِهِ يَنتَظِرُ اعتِرافَهُم لَهُ عَنْ وَقْعِ جُرْمِهِم, فاجْتَمَعُوا عَلى لَفِيفِ القِداحِ
الواحِدِ وَبَيَتـُوا مَكْرَهُم عِندَ كَبيرِهِم يَهُوذا وَقالَ: يا أَبَتِ مَالَنَّا مِنَ القَوْلِ
عَلَيْكَ إلاّ الذِي أَفصَحنَّا بِهِ لَكَ إنَهُ أكَلَهُ الذِئْبُ وَخَرَجُوا مِنهُ يَتَضاحَكُون
فكَشَفهُم يَعقُوب عَنْ كَيْدِهِم, فَلَحَقَهُم جَرياً تَتبَعَهُ النِساءَ وَرجالَ القَريَةِ
مَعَهُ وَقالَ لَهُم: وَلَـدِي يُوسُف لَـنْ يَنالَـهُ مَكْرُوهٍ وَدَلِيلِي عَلى ذلِكَ هـذا
القَمِيصُ المَكْذوبِ بالدَّمِ؟؟ لكِنَنِّي عَلى يَقِينٍ مِنْ عِنـدِ رَبِّي بِمَّا (سَوَّلَتْ
لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ) الأمارَةُ بالسُوءِ لَقَد زُيِّـنَ لكُم الشَيْطانُ بارتِكابِ هذا الفِعلِ
وَصَوَرتِمُـوهُ فِـي أعيِّنِكُـم بِوَلَـدِي تَذبَحُـونَ جَديـاً عَلـى قمِيـصِ أخِــيكُم
وَتَدَعُونَ أكَلَهُ ذِئْـبٌ؟؟ وَمَا كـانَ أشَـدُ غَضَب ذلِكَ الذِئـْب وَإشْفاقَََـَهُ عَلى
قمِيصِ يُوسُف يَخْلَعَهُ بِلُطْفٍ مِنْ جِسْمِهِ حَيْثُ أكلَّهُ وَلَـمْ يُمَزِقَ قمِيصَه؟
أيَّا لِلعَجَبِ إنَ كَيْدَكُـم هـذا لَكَيْـد عَظِيـم, فَأطْرَقـُوا بِرِؤُوسِهِم حَـياءً مِـنْ
مَخدَعِهِم, فَكَشَفَهُم يَعقُوب وَقالَ: لاّ أريدُ أنْ أراكُم أبَداً لَقد أثِرتـُم كامِنَ
دائِي فَلابُدَ أنْ يَكتَشِفَ اللهُ أمْرَكُم وَيُبان كَيْدَكُم, ويُظْهِرَ سِرَّكُم وَيَفتَضِحَ
سِترَكُم وَاللهُ لاَ يَغفَلُ عَنْ كَيْدِ الْخَائِنِين,,
وَلَبَسَ يَعقوب مِئزَراً أسْوداً وَحَزَنَ عَلى إبْنهِ سِنِيناً وَقالَ (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)
عَلى فِعالِكُم المَغمُوسَةِ بالمُكْر حَتى يَكْتَشِفَ اللـَّهُ تَعالى أمْرَكُـم, وَيُظْهِرَ
عاقبَةَ كَيْدِكُم (وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تََصِفُونَ) بأعمالِكُم,,
أَصْلُ الصَّبْر الحَبْس، وَكُلُّ مَنْ حَبَسَ شَيْئاً جَعَـلَ صَبْرَهُ إلى اللـَّهِ دَلِيلاً
لِمَعنى الآيَة (وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ)(يونس109)
وَالمُرادُ بالكَذبِ التَّرغِيب وَالبَعـث إذا مَنَّتـْهُ الأمانِيَّ, وَخـُيَّلَت إليـهِ مِـنَ
الآمالِ مّالاَ يُـكاد يَكُونُ كِذبـاً, وَبِمّا أنَ الكَـذِبَ لاَ يَدُومُ لأنَ نِـظامَ الكَـوْنُ
مُرتَبِطُ ألأجْـزاءِ, وَليْـسَ فِي وِسْـعِ الكاذِبِ إذا سَـتَرَ شَـيْئاً مِـنَ الحَقائِقِ
الكَوْنِيِةِ فلابُـدَ لِلكَشْفِ عَـن حَقِيقـَةِ إظـهارِ الكِـذب, فَكَشَفَ اللـَّهُ كَيْدَهُـم
وَأنزَلَـهُ عَلى عَبـدِهِ مُحَمَدٍ صَلى اللـَّهُ عَلَيْهِ وَآلِـهِ: وَقـال (وَجَاءُوا عَلَى
قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) مُفتَعلٌ بمَكْرٍ حِينَ عَمَدُوا إلى سَخْلةٍ ذَبَحُوها فأخَذُوا
مِـنْ دَمِّها وَوَضَعُوهُ عَلى قمِيصِ يُوسُـفَ لِيُوْهِمُوا بِكَيْدِهِم يَعقـُوبَ قَََََـَد
فَتَكَ بِهِ الذِئبُ وَهُم عَنهُ غافِلُون,,
((خرُوجُ يُوسُف مِنَ البِئْرِ وَبَيْعَهُ عَبْداً لِلرَحالَةِ))


وَلَقـَد مَضى عَلـى يُوسُـفَ فِي البِئْـرِ ثَلاثـَةُ أيـامٍ سَـوِّيا: فـَقالَ جُبْرائِـيلَ
يا يُوسُف قلْ فِي دُعائِكَ فإنَ اللهَ يُحِّبُ مَنْ يُناجِيه, فَاخَتَفى عَنهُ جُبريلُ
وَقالَ يُوسُفُ (اللَّهُمَ يا مُؤنِسَ كُـلَّ غَريبٍ، وَيا صاحِبَ كُـلَّ وَحِـيدٍ، وَيـا
مَلْجَأَ كُلَّ خائِفٍ، وَيا كاشِفَ كُلَّ كُربَـةٍ، وَيا عالِمُ كُلَّ نَجْوى، وَيا مُنتَهى
كُلَّ شَكْوى, وَيا حاضِر كُـلَّ مَـلأٍ، وَيا قَريبٌ غـَير بعِـيدٍ, يا حَيُّ يا قيُّوم
أسْألُكَ أنْ تَقذِفَ رَجاءُكَ فِي قلْبِي حَتى لاَ يَكُونَ لِي هَمٌّّ وَلاَ شِغلٌ غَيْرُكَ
وَأنْ تَجْعَلَ لي مِنْ أمْري فرَجاً وَمَخْرَجاً إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قدِيرٌ)
وَسُبْحانَ مَّا خَتَـمَ يُوسُف بِدُعائِهِ وَقالَ: يا أرْحَمَ الراحِمِين لَقـَد غَرُونِّي
بِنِّي أبِّي وَظَلَمُونِّي لكِنَنِّي أعلَمُ إنَكَ عَلامَ الغِيُوب تَنْظِرُ إلَيَّ بِعَيْنِ العَطْفِ
أُنقذنِّي مِنْ جَوْفِ هذِهِ البِئْر يا رَبَّ إسْحاقَ وَيَعقُوبَ وَإبْراهِيم,,
فَسْتَجابَ اللـَّهُ دُعاءََهُ: فأرْسَلَ لِنَجاتِهِ زَوْبَعَـةٌ حَمْراءٌ عاتِيَـةٌ فَشَتَت تِلْكَ
القافِلَةِ وَأظَلَتهُم عَـنْ مَـسارِ طَرِيقِهِم الجـّاد, وَدَفـَعَ بأصْحابِها الإعصارُ
وَإذا هُمْ بِمَقرَبَةٍ مِنَ البِئْرِ يَتَلَفَتُونَ يَمِيناً وَشِمالاً, وَكانَت بِضاعَتَهُم مِنْ
الحِبُوبِ وَالفسْتِقِ قاصِدِينَ دِيارَ مِصْرَ مِنَ الشامِ,,
قالَ مالِكُ بنَ ذَعَر أيُها الرَكْبُ المُزْمِعُ عَطَشاً لاَ تَقلَقوا فإنِّي أعرِفُ جَيِّداً
تِلْكَ الشَجَرَةِ وَمَـا يُجاوِّرُها مِـنْ تِلالٍ إنَها تَبْعِـدُ عَـنْ قِـرى كَنْعان أمْـيالاً
وَثَمَّةَ بِئْرِ ماءٍ بِقُرْبِها لكِنَهُ مالِحاً لاَيَصْلَحُنَّا شَراباً حَتى لِلدَوابِ وَالبَهائِم
فَقالَ المُنْهِلُ لكِنَ أفرادَ القافِلَةِ سَيَهْلَكُونَ عَطَشاً فَمَاذا نَصْنَعُ يا مالِك,,
قالَ مالِك: يَتَخَيَّلُ لِي أنْ مِـنْ وَراءِ ذلِكَ البِئْـرِ المالِح بِئْـراً عَذِباً انطَلِقُوا
مَعِي فَلَمَّا شارَفوا البِئْرَ المالِح جَفَلَت الخَيْلُ وَالإبِْـلُ وَأخَذَت تَدُورُ حَوْلَهُ
فكانَ كُلَّمَا وَجَهُوها فِي السَّـيْرِ برَكَـت الإبِـلُ وَلـَمْ تَِبْـرَحَ, وَالخَـيْلُ كَذلِكَ
تَقذفوا مِنْ عَلى ظَهْرِها راكِبها,,
ثُمَ قالَ لاَ وَاللهِ: لاَ يَسَعَنِّي أبَداً أنْ أفهَمَ هذِهِ البَهائِمُ؟ وَأيُ سِّـرٍ هُوَ هـذا
فَقِفـُوا مَحَلَكُم الضَرْبُ لاَ يُجْدِي كُفـُوا عَنْ البَهائِمِ حَتى نَقِفَ عَلى سَبَبِ
هذِهِ المُعجِزَة؟؟
وَقالَ المُنْهِلُ حَقاً يا مالِك شَمَّتْ الدَوابُ رائِحَةَ الماءِ فإنَها لاّ تُمَيِّزُ بَـيْنَ
العَذِبِ وَالمالِح فَنَزَلَ القَوْمُ ليَسْتَرِيحُوا قَلِيْلاً وَإذا هُمْ قََد سَقَطَ مِنْ بَيْنِهِم
رَجِلٌ مِنَ شِـدَةِ العَطَشِ, قالَ المُنهِلُ يا مالِك هَلْ حَقاً أنَ ماءَ هـذِهِ البِئْـرُ
مالِحٌ هـذا الرَجِلُ يُـكادُ أنْ يَهْلُكَ مِنْ شِـدَةِ العَطَشِ, قالَ مالِك: إنَنِّي فِـي
سَفَري مَرَرْتُ مِراراً فَوَجْدتَهُ مالِحاً لكِنَنِّي أُريدُ أنْ أُمَزِقَ لَكُم قِناعَ الشَكِ
فاسْتَسْقوا مِنْهُ لَعَلَهُ يَنفَعَكُم أوْ تَشْرَبَ مِنهُ الدَوابِ,,
وَإذا بِيُوسُفَ سَلامُ اللهِ عَلَيْهِ يَسْمعُ أصْواتٍ عَنْ وَقعِ أقدامٍٍ وَنِباحُ كِلابٍ
فأطْمَئَنَ قلْبَـهُ,, فأرْسَلـُوا وَارِدَهُم فألَقى دَلَـوَه فَلَمََّا رَأى يُوسُـف الدَّلْـوَ
اقتَرَبَ مِنـْهُ وَهُـوَ مُتَعَلِـقٌ عَلـى شَـفا صَخْرَةٍ مِـنَ البِئْـر فَأمْسَكَ بالحَـبْلِ
فَأدخَلَهُ الرَّيْبَ فِي جُرْمِ أخْوَتِه عَمّا فَعَلُوا بِـهِ, فَظَّنَ إنَهُم لِيَذبَحُوه, فألَتَ
الحَبْلُ مِنْ يِـَدِهِ وَسَحَبَهُ المُنْهِل بِدَلْوِّهِ وَصاحَ يا قَوْم أسْرِعُوا ماءَ البئْـر
عَذِباً,, فَندَهَشَ مالِكُ وَقالَ أمْـرٌ عَجيبٌ لاَ رَيْبَّ عِنـدِي بَعـدَ الشَكِ كانَت
مياهُ هذِهِ البِئْـر مالِحَةٌ فَكَيْفَ صَحَتْ لَكُم أنْ تَكُونَ عِذبَةٌ أمْلَئُوا أقرِبَتِكُم
مِنهُ حَتى نَرْحَلُ عَنْ قَريب,,
فَلَّمَا سَمَعَهُم يُوسُف إنَهُم قَـَوْمٌ غـُرباء وَألقـُوا الدَلَـوَّ ثانِيَـةَ فَنظَـرَ إليْـهِ
وَتَحَـيَرَ فِي أمْـرِهِ وَخَشَيَّ مِـنْ مَسْكَتِ الحَـبْلِ فنَزَلَ عَلَيْـهِ جُبْريـلُ وَقـالَ
يا يُوسُفُ أهؤلاءُ قَـَوْمٌ أمِرُوا بِاسْتِنقاذِكَ لِتَكُـونَ مَعَهُم بَعِيداً عَـنْ أبـيكَ
يَعقُوبَ النَبِّي, وَأَتلَّى عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعالى (إِنَّـهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ
لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)
يا يُوسُفُ الحَبْلُ أمامَكَ وَالخَيْرَةُ لَكَ فإنْ لَـمْ تَمْسُكَ بِـهِ سَوْفَ تُهْلَك فِي
البِئْرِ فَمْسِكْ بِهِ يا يُوسُفُ وَاجْلـُسْ عَلى الدَلُوِّ فإنَ أخْوَتـُكَ عَلى مَقرَبَةٍ
مِنْ هؤلاءِ القَوْم يُريدُونَ بَيْعَكَ عَلَّيْهِم, فطاوِّع بِمَا يَفعَلُونَ بِكَ مِنْ بَيْعٍ
كَعَبدٍ بَعِيداً عَـنْ أبـيكَ يَعقـُوب النَبِّي, فأنَتَ فِي البَيْـعِ عَزيـزٌ عِنـْدَ قَـَوْمٍ
يُحسِنُونَ فِداكَ فَلاّ تَحزَن عَلى أبيكَ فإنَهُ قََـَد كَشَفَ عَلى أُخْوَتِكَ عَلائِـمَ
الإرتِيابِ لَـمْ يَـرِجَ خَدعَهُـم بالذِئـْبِ المَكْـذوبِ عَلى يَعقـُوبَ النَبِّـي بِـمَّا
حَدَثَتـهُ نَفسُهُ البَصِرَةَ إنَكَ فِي حُفـْظِّ اللـَّهِ وَتَربِيَتَهُ لَكَ, وَهُـم الخائِفـُونَ
وَلكِنْ أكْثرَ الناسِ لاَ يَعقِلُون,,
يا يُوسُف: إنَ اللـَّهَ يُريدُ أنْ يُوقِعَ بَلائَهُ بِأوْلِيائِهِ قَبْلَ عِبادِهِ, فأنتَ أحَـدُ
أوْلِيائِهِ إذا خُُيِّرْتَ بَيْنَ المَعصِيَةِ وَبَيْنَ الصَبْرِ عَلى الشِّدَةِ أنْ تَصْبرَ عَلى
البَلاءِ سِنِيناً وَتُؤْثِر أنْ تُطِيعَ اللهُ تَعالى بَعـدَ فِعلِهِم هـذا فَهُم الأخْسَرُونَ
إذا مَا لَمْ يَعتَرفوا بِخَطِيئَتِهِم لأبِيهِم وَيَسْتَغفِرُونَ الله,,
فَأمْسَكَ يُوسُفُ بالحَبْلِ وَجَلَسَ فِي الدَلْـوِّ مُطْمَئِناً, وَمّـا راعَ ذِلِكَ المُنْهِلُ
إلاّ وَفِي دَلْوِّهِ غُلامٌ يافعٌ مُتَعَلِقٌ كأنَهُ فلْقَةُ قمَرٍ فِي لَيْلَتِه,,
فلَّمَا نَظَرَ إليهِ الساقِي كَأنَهُ فلْقـَةُ قمَـرٍ: صاحَ يا بُشْرى هـذا غـُلامٌ يافِعٌ
لِتَعرِفـُوا حالَتَـهُ عَـسى أنْ تَرِدُوهُ إلى أهْلِـهِ, فاجْتَمَعَ القـَوْمُ المُسافِرينَ
وَأخَذتهُم الدَهْشَةَ بِحُسْنِ رَوْنَقِـهِ, فَاختَلفـُوا فِي رَأيِِْهِم عَلى أنْ يَتَخِـذُوهُ
عَبْداً لِحُسْنِ طِباعِهِ وَقالـُوا مَنْ أنتَ مَلاكٌ أمْ إنْسٌ وَمَاذا تَفعَلُ فِي داخِلِ
البَئْـرِ المُظْلِمَة وَلَـمْ يَتَرَقَبُكَ المَوْت فانـْدَهَشَ يُوسُفُ مِـنْ غَرابِتِهِم وَلَـمْ
يَفْصَحَ بالإجابَةِ عَلى حَـدِ سُؤالِهِم,,
وَقالَ لَـهُ مالِك: أيُها الغِلامُ فَلِـمَ أنتَ ساكِتٌ لاَ تَفهَمَ كَلامَنَّا مالَكَ صامِتٌ
مِنْ شِـدَةِ الخَوْفِ, فَمَّا بالـُكَ تَتَلَفَتُ يَمِيناً وَشِمالاً, هَـلْ تَبْحَثُ عَـنْ أحَـدٍ
ضَيَعتَهُ أمْ كُنتَ الضائِعُ أنْتَ مِنْ بَيْنِّ يَدَيه؟؟ فَقـُلْ لَنَّا يا بُنَيَّ, كَيْ نُعِيدُكَ
وَنذهَبُ بِكَ إلى حَيْثـُمَا تـُريد فَلاَ تَخَفْ لَـنْ يُؤذِيكَ أحَـدٌ مِنَّا فَمَا أسْمُكَ؟؟
قالَ أنَّـا عِبْْرانِيٌ وَاسْمِي يُوسُفُ: قـالَ مالِكُ: يا لِلغَرابَـةِ عِبرانِيٌ يَتَكَلَـم
فَصِيحاً, فقُلْ لِي مِنْ أيِّ البِلادِ أَنْت وَمِنْ أيِّ القَبائِل وَمَا اسمُ أبيكَ: قالَ
(لاَ) لَنْ أتَكَلمَ عَنْ ذلِك وَلاَ أُريدُ أنْ أرْجَعَ إليهِم أبَداً خذُونِّي مَعَكُم حَيْثُمَا
تَذهَبُونَ أنَّا لاَ أُحِبُّ العَوْدَةَ إليْهِم بَعدَ ما جَرى عَلَيَّ وَإذا إخوَتَهُ العَشْرَةَ
مِنْ أبيهِ كانًوا يَتَرقبُونَ القافِلَةِ التِي اسْتَأنفَت البِئِْر وَهُم فِي جَوْفِ كَهْفٍ
عَنهَا, فَلَّمَا شاهَدُوهُ بَـيْنَ أيدِيهِم,, قالَ شَمْعُون أسْرِعُوا مَعِي كَيْ نُغلِقَ
فَمَهُ إلى الأبَـدِ قَبْلَ أنْ يَفضَحَنَّا وَيَقُولَ كُلَّ شِيءٍ لَهُم مِنْ أمْـرِنَّا, وَيَفشَلُ
كُلَّ مَا صَنعناهُ بِـهِ,, وَصاحُوا بأعلى أصْواتِهِم يا قََـَوْم هـذا عَـبْدٌ لَنَّا قََـَد
أبـِقَ مِـنّا وَسَقطََ فِي البِئْـرِ وَنَحنُ عَنهُ غافِلُونَ؟؟ فوَرَدَ ذلِكَ بِشَأنِهم فِي
التَنزيلِ (وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا
غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)
دَلِيلُ الآيَةَ هُنَّا يَقَعُ عَلى (وَأَسَرُّوهُ) لَيُوسُفَ (بِضَاعَةً) فـَوْقَ بِضاعَتِهِم
وَكانُوا فِيـهِ فَرحِينَ بشِرائِِـهِ مِـنْ إخْوَتِـهِ (بِثَمَـنٍ بَخْـسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ)
فَشَراهُ مالِك بنَ ذَعَر بـنَ نُوَيْت, وَهُـوَ عَلى دِينِ الحَنَفِيَةِ دِيـنُ إبْراهِيمَ
خَلِيلُ الله,,
وَالسَّرُ فِي الآيَـةِ: هُـوَ الإخفاءُ الذِي اشَتَرَطُوهُ أخوُتَـهُ عَلى المُسافِرينَ
السَيارَةِ, وَمِنْ جُمْلَةِ هـذا الإخْفاءُ جَعَلـُوا يُوسُفَ بَعـدَ بَيعِهِ فِي رِحالِهِم
مُخَبَئاً عَنْ ناظِرَةِ العِيُونِ خِشْيَةً أنْ لاَ يُكْتَشَفَ سِرَّ مَكنُونَهُم بِغـُنْمِهِ, أوْ
يُفتَضَح أمْرَ إخوَتَهُ حَتى اسْتأنَفَت القافِلَةَ بالخِرُوجِ مِنْ أرْضِ كَنعانَ إلى
مِصْرَ قاصِدِينَ بَيْعَـهُ الزاهِـد, وََباعُـوهُ ببَيـْعِ السَماح وَبـِدَراهِمٍ مَعـدُودَةٍ
وَالعِدَّةُ لَدَيهِم إمّا أنْ تَكُونَ عشْرُونَ دُرهَماً أوْ أربَعُونَ وَكانَ عِندَهُم هذا
الثَمَنُ قِيمَة كَلْبِ الصَيدِ إذا قُتِلَ فَتَقاسَمُها العَشْرَةَ بَيْنَهُم وَيُوسُفُ الأسِيرُ
يَنْظِرُ لِنارِ الحِقدِ كادَت أنْ يُطفِئُوا بِها وَقدَتَ أكْبادَهُم فِي إبعادِهِ عَن أبيهِ
فَسَّـرَ فِي نَفسِـهِ حَدِيثَهُم وَتَهْدِيدَهُم إليـْهِ, وَوافَقَهُم بِحَـظِ نَصِيبِهِ لِيكُـونَ
عَـبْداً يُـباعُ وَيُشْتَرى خِشيَةً مِنـْهُ أنْ لاّ يَنتَقِضَ بَيْعَهُ وَيَقـَع القَتـْلُ مِنْهُـم
عَلِيْهِ ثانِيَةً, فاسْتَسْلمَ لِرَبِهِ وَرَكِبَ مَتنُ الاغتِراب لِبَلائِهِ وَقالَ: أنَّـا عَبْـدٌ
أبِقتُ مِنْهُم وَسَقَطْتُ فِي البِئْرِ وَهُم لاَ يَعلَمُونَ فَأسَّرُوهُ بِضاعَةً وَاشَتَرطَ
الأخْـوَة عَلَيْهِم أنْ يَذهَبُـوا بـهِ بَعِـيداً عَـنْ أرْضِ كَنعانَ وَهُـمْ لاَ يَعلَمُونَ
بِأخِيهِم بأيِ أرْضِ يَعِيشُ حَتى ألْقَت القافِلةُ عَصاها بِمِصْرَ (وَكَانُوا فِيهِ
مِنَ الزَّاهِدِينَ) الزُهْدُ الرَغبَةُ عَنْ الشَيءِ, وَالمُزْهِدُ القلِيلُ الشَيء وَكانَ
شِراءَهُم هُوَ شَيءٌ زَهِيدٌ قلِيلُ بِمّا كانُوا فِيهِ فَرحِينَ, وَلِهذا أَسَّرُوهُ عَنْ
ناظِرِةِ العِيُون وَواجَدُوهُ بِضاعَةً لهُم وَهُـم لاَ يَشْعِرُونَ بِهذا العَبْـدُ بِـمَا
يُغيِّرُ اللـَّهَ لِِّمَا لَـهُ فِي ذلِكَ مِـنْ الحِكْمَةِ العَظِيمَةِ, وَالقـَدرُ الحافِظ بأهْـلِ
مِصْرَ برَحمَتِهِ لَهُم, وَبمَّا يَجْري عَلى يَدِي هذا العَبْدُ الذِي يَدخِلُ بِلادَهُم
فِي صُورَةِ أسِيرٍ رَقِيقٍ ذَلِيلٍ, ثمَ بَعدُ هـذا يُمَلِكُهُ اللهَ تَعالى أَزِمَةََ الأمُور
بَعدَ سِنِينٍ, وَيَنفَعَهُم بـهِ فِي دِنياهُم وَأُخْراهم وَهُم لاَ يَعلَمُونَ بِعلْمِ اللـَّهِ
مّا يُحِيطَهُم بِنبُوَةِ يُوسُف وَهُم عَنهُ غافِلُونَ إلى حِينٍ بأنَهُ الحاكِمُ اليَقظْ
لِيُخْرِجَهُم مِنَ حَلَكِ الظلُوماتِ إلى النُور,,

طالِع الأجْزاء المُتبقَِيَة (14) عَلى
هذهِ الروابط مُباشَرة بدُون تَحمِيل
افتَح أجزاء القِصة العَشرِة الأولى
http://www.hajaryat.net/vb/showthread.php?t=34466
الأجزاء الخَمسَة الثانية
http://www.hajaryat.net/vb/showthread.php?t=34466&page=2

كَذلِكَ افتَح أجزاء القِصَة العشرَة الأولى
http://al-3abbas.com/vb/showthread.php?t=144788
الأجزاء الخَمسَة الثانِيَة
http://al-3abbas.com/vb/showthread.php?t=144788&page=2

كذلِك افتَح أجزاء القِصَة العشرَة الأولى
http://www.alkathemi.com/vb/t3671.html
الأجزاء الخَمسَة الثانِيَة
http://www.alkathemi.com/vb/t3671-2.html

كذلِك افتَح أجزاء القِصَة الخَمْسَة العشر
http://www.basrah4ever.com/vb/showthread.php?p=33179#post33179

نَتمَنى لَكُم التَوفيق على فَهْم القِصَة
حَمِل مُجَلَد قِصَة يُوسُف كامِلاً ورد لِحاسِبِتكَ
وَيَسْمَح بَنَشْـرهِ لأصحابِ المَطابِع والمَكاتِب
http://www.lamst-a.net/dld9DQ82329.rar.html
http://www.lamst-a.net/dld9DQ82329.rar.html

|