facebook twitter \C7\E1\D1\C6\ED\D3\ED\C9 \C7\E1\CA\D3\CC\ED\E1 \C7\E1\CA\CD\DF\E3 \C7\CA\D5\E1

العودة   منتدى صوت الرادود > •»| آلثـقـآفـيـة ـؤآلآـدبـيـة ]|«• > قصص وحكايا

قصص وحكايا قصص واقعية وخيالية نرسمها وننسجها لتحاكينا

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 08-25-2011, 12:42 PM
سماهر الجبوري سماهر الجبوري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 








Icon27 لقد قتلني باسم الكربلائي



( ياسر الـمُـنـشِـد )



اسمي ( غافل ) و طبعاً هذا ليس الاسم الحقيقي و لكنها الصفة المناسبة لشخص ٍ مثلي في الفترة التي مضت و الحمدُ لله ، من مواليد العام ( 1984 ) أعيش في العراق و أنا بغدادي الأصل و الولادة ، ولدتُ و الحمد لله مسلماً بالفطرةِ التي فطرني عليها أهلي ، و أنا ممن تربى في بيئةٍ تغمرها الثقافة و العلم ، ترعرعت رغم البيئةِ التي تربيت فيها في إحدى المناطق الشعبية الفقيرة في جانب الكرخ ببغداد على ضفاف نهر دجلة الحبيب فتعلمت في هذه المنطقة كيف أكون موالياً لرسول ألله و أهل بيته الطاهرين ( صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين ) و لكنها كعادة الناس في تلك المنطقة ( ولاية ٌ بالفطرة ) تفتقر إلى أسس العقيدة الصحيحة رغم إنني في أيام طفولتي كنت من رواد ( حسينية المنطقة ) التي تقوم ببعض الشعائر و إحياء المناسبات خصوصاً في شهري ( محرم و رمضان ) و كان خطيب المنبر يستذكر صوراً من تعاليم الإسلام و السُنة المحمديةِ و دروسٌ ضئيلة من نهج البلاغة إذ أن هذه الجلسات و المحاضرات كانت مقيدة بكثير ٍ من ( التقية ) فكما تعلمون كان الكل يخشى من سطوة النظام البائد في العراق و هذا أمرٌ معروفٌ للعالم أجمع .

إذ أنه في زمن النظام البائد لم يكن مسموحاً لخطيبٍ ( شيعي ) أن يتطرق في محاضرته إلى فضائل و تعاليم الإمام ( علي ابن أبي طالب ) عليه السلام لأنها كانت تنافي ما كان عليه ( حُكام ) النظام البائد و أزلامهم .
لذا نشأتُ مسلماً مؤمناً بأنه ( لا إله إلا الله ) و أن سيدنا ( محمدٌ رسولُ الله ) و أن أميرَ المُؤمنينَ من بعده هو ( عليٌ وَليُ الله ) لا غيرهُ ، بمعنى أني أصبحتُ ( شيعياً ) موالياً لأمير المؤمنين ( علي ) عليه السلام .. و لكن ، هذا اليقين بالله و الأيمان بالرسول و الولاية ، لم يكن كافياً ليصنع مني شخصاً ملتزماً فكلُ هذه الأمور هي مكوناتٌ فطرية بمعنى ( اكتسبتها بالفطرة ) و لم تكن مدعومة ً بدرس ٍ من دروس العقيدة و لم أبذل جهداً و لو بسيطاً في اكتسابها ، لذلك ( عزيزي القارئ الكريم ) إياكَ أن تتصور أني نشأتُ مُلتزماً بصلاتي أو مواضباً على زياراتي ، للأسف ألشديد ( لا ) لم أكن يوماً كذلك ، لأن كون الأهل مسلمين و موالين ، أو بمعنى أصَح كانوا..
.. من ( شيعة علي ) ليس بالأمر الكافي لصناعةِ مسلم ٍ ملتزم ( لا ) لأنه لو كان هذا الأمر كافياً لكنت التزمت أنا بفرائضي الدينية ، و لأنني لم أتلقى دروساً في العقيدة و لا تعلمت كيف أكون ( شيعياً ) مخلصاً و اعتمدت على الفطرة فقط ، للأسف لم أكن مسلماً ملتزماً أبداً ( لا ) لم أتعلم كيف التزم أقولها و أنا بكامل قواي العقلية و لست خجلاً مما سأصفُ بهِ شخصيتي السابقة لأنها حقاً صفات شخصية ( غافل ) الذي يعلم أن الله حق ، و يبتعدُ عنه .. و يعلمُ أن وصايا رسوله محمدٍ حق ، و لا يعملُ بها .. و يعلمُ أن ولاية علي ٍ حق ، و لا يكونُ صورة ً من علي .. لذلك فأنا حقاً ( غافل ).

كنتُ ممن شغفتهُ الدنيا و اغوائاتها، و تولعتُ بأمور العشق و الغرام ، و إستهوتني قصص الحب و أثرَت بيَّ مآسي العاشقين .. حتى أصبحتُ عاشقاً مثالياً ، عالماً بكل خفايا الحُب ، أسيرُ على خطى قيس العامري و أمُرُ على جراحاتِ عنترَ و أواسي روميو و أجادلُ شكسبير، وأصبحتُ ( شاعراً ) اكتب الشعرَ في الحبِ و جراحاتهِ و مصائبه و جحيمه ، و أتغزلُ بالعيون و أحكي عن الشجون ، و أتسكعُ على أرصفة شوارع الأحلام مثل الهائمين ، و أغوصُ في بحار الغرام و أغرقُ في أبياتِ شِعري ، حتى أموت و أدفنُ نفسي في بيتٍ من الأبيات ، و أعودُ أحْيي نفسي في بيتٍ آخرَ أكتبُهُ عن وَهمٍ إسمهُ ( قوَتي و إصراري ) على العطاء و التضحيةِ سبيل الحب و العشقُ و الغرام ( الذي غفلتُ في وقتها عن كونه من الزائلات ) ، و تُهتُ في بيداء الهوى هائماً متيماً ، حتى أصبح { و العِياذ بالله } أصبح الهوى إلهي ، ( و هذا ما لم أدركهُ إلا بعدما قرأتُ قولهُ تعالى في القرآن / أفمن إتخذ إلـههُ هواه ) .. و لم أنتبه لما تمضي له حياتي أبداً .
هذا ما كنتُ عليهِ طوالَ ( 14 عاماً ) مضت من عمري ، قضيتها في غمرات الهوى و الغناء و الحب و أشعار العشق و الغرام .. ( حتى كانت ليلة التاسع من محرم الحرام 1419 هـ ) تحديداً في عام ( 1998 ) ...

كما ذكرتُ سابقاً ، فأنا و الشباب من أقراني رغمَ ما كنا عليهِ من غفلةٍ و عصيانٍ لله و إبتعادٍ عن الدين ، إلا أننا كنا موالين لمحمدٍ و علي ٍ و الأئمة الأطهار ( عليهم الصلاة و السلام أجمعين ) و لكن للأسف كنا ( شيعة بالفِطرة ) ، عموماً .. كنا من أنشط المشاركين في إحياء ذكرى عاشوراء الحسين ( عليه السلام ) و لكن عملنا كان يقتصر على أمور ( إعداد الطعام و طبخهُ و توزيعه ) لأن هذا ما كانَ مسموحٌ بهِ فقط في زمن النظام البائد .
عموماً .. في تلك الليلة كنتُ أنا و أحد أصدقائي المُقرَبين نعمل في المساء على تحضيرات الطعام الذي سنطبخهُ في عصر اليوم التالي التاسع من محرم ففي العراق هناكَ تقليدُ كانَ شائعاً في أيام النظام البائد و هو إحياء ليلة العاشر من محرم بطبخ الطعام فقط ) و لأن الوجبات التي تـُـطبَخ كبيرة جداً ( أدامها الله ) فأن طبخها يستغرقُ وقتاً طويلاً فتبدأ عملية الطبخ من عصر يوم التاسع لكي يتمكن الواهبون من توزيع الطعام في صبيحة يوم العاشر من محرم .
لذلك بدأت أنا و صديقي بغسل القِدور ( أواني الطبخ ) و تهيئتها للطبخ و هي نظيفة ، و لأن القِدور كبيرة الحجم فأن غسلها يتطلب جهداً كبيراً و وقتاً طويلاً ، لذا بدأنا بغسل القِدور بعد صلاة المغرب و لم ننتهي منها إلا عند الساعة الثالثة فجراً ، فدخلنا إلى بيتهِ و جلسنا مُنهكين و في نفس الوقت نشعرُ براحةٍ نفسية كبيرة ، فكما تعلمون إن بذل الجهد في خدمة أهل البيت ( عليهم السلام ) يُعطي للنفس إحساساً بالصفاء و السكينة بدَلَ الإحساس بالتعب فهي كرامة من كرامات الأطهار ( عليهم السلام ) .
على العموم .. جلسنا أنا و صديقي لكي نأكل وجبة سريعة و نحتسي الشاي لأننا نوينا أن نذهب لزيارة الأمام ( موسى ابن جعفر الكاظم ) عليه السلام ، و نصلي صلاة الفجر هناك ( فكما تعلمون أنه عندما تحل السَكينة في نفس الإنسان تتجه به نفسهُ لما فيه الخير له ) .
في هذه الأثناء ...
قال لي صديقي : هل تعرف الرادود ( باسم الكربلائي ) ؟
قلت : ( باسم الكربلائي ) ، نعم سمعت له بعض القصائد .
قال صديقي : و هل سبق و رأيته ؟
قلت : و أين أراه !!
قال : في مجلس مُصَوَر بالفيديو ؟
قلت : كلا لم اشاهد مجلساً بالفيديو للرادود ( باسم الكربلائي ) من قبل .
قال : لقد اشتريت له قرصاً جديداً .. و سأريك شكل ( باسم الكربلائي ) في التلفاز ..

فقام صديقي بتشغيل قرص فيديو للرادود ( باسم الكربلائي ) يُؤدي فيه قصيدة جديدة للشاعر الأديب جابر الكاظمي ، قصيدة ( نار گلبي العطشان ) ...

حتى هذه اللحظة التي كنا نجلس فيها أنا و صديقي كنت بحَق اُمَثِل شخصية و كيان ( غافل ) الغير ملتزم ... كنت أصغي إلى ( باسم الكربلائي ) و هو ينشد القصيدة و أتمعنُ في اسلوبهِ و كانت تلك المرة الاولى التي أرى فيها ( باسم الكربلائي ) على الشاشة و الفضل يعود للأقراص الليزرية التي لم يتمكن أزلام النظام البائد من السيطرة على إنتشارها فقد كنا نستمع إلى أشرطة الكاسيت الصوتي فقط .

لقد سمعتُ سابقاً العديد من قصائد ( باسم الكربلائي ) إلا أن هذه المرة كانت تختلف تماماً عما سبَق ، فكلمات قصيدة ( نار گلبي العطشان ) و الطور المختار لها كان شيئاً جديداً ، و ألأهم من هذا كانت مشاهدة ( باسم الكربلائي ) و هو يُؤدي القصيدة بمنتهى البراعة و إحساسه بالكلمة و تفانيه من أجل إيصال المعنى للمتلقي سحرني و أدهشني و كان بمثابةِ معركةٍ نفسيةٍ بالنسبةِ لي ...



و هنا تبدأ الحادثة الرهيبة


فجأة ، شعرت ببدني يرتعش و تصلبت أطرافي و بدأ قلبي بالخفقان بسرعةٍ غير طبيعية و أحسستُ بضيقٍ في صدري و لم أعد أقوى على الكلام لأن صوتي لا يخرج من جوفي ، ثم انقطع اتصالي بالمحيط الذي أنا فيه و اختفى النور و أظلمت دنياي و غمرها السكونُ و السكوت .. و بعد لحظات ، بدأ النور يعود و لكن ، لست في نفس مكاني ، نعم ، أنا لستُ في بيتِ صديقي و إنما رأيتُ نفسي أقف أمام الرادود ( باسم الكربلائي ) في مجلس يخلو من الحضور ليسَ فيه غير أنا و ( باسم الكربلائي ) و كان ينشد نفس القصيدة ( نار گلبي العطشان ) و لكن كأنهُ لم يكن ينشدها و حسب و إنما شعرتُ بأنهُ يوبخني بها و هو مكسوُ بالغضب مني ، و إذا به ينزل من على المنبر و هو لا زال يقرأ القصيدة و اقترب مني و راح يقتربُ أكثر فأكثر حتى بدأ يعتليني الخوف ..
عندها ، و بدل أن ألطِمَ على صدري بدأ يطعنني بقلبي و إحساسي و صارَ يُقَطِعُ أوصالي إرباً إرباً ، و يضربُ بندائهِ على رأسي حتى ارتجَ دِماغي ، ثمَ استهدفَ قوائمي فهَويتُ مُلقاً على أرضية المجلس الذي كنا فيه ، فلم يكتفِ ( باسم الكربلائي ) بهذا كلِه .. فجاءني و هو مستمرٌ بقراءة القصيدة .. و صارَ يَدوسُ على صَدري و يطحَنُ عِظامي ، ثم رَفعَ مستوى أدائهِ في أحد الأبيات ( بصَرخةٍ عَلَويَةٍ مخلِصَة ) قطعَ بها رأسي و أجهَزَ عَليَّ ، فأخذ رأسي بيَدِهِ و ألقاهُ بَعيداً جداً إلى عالمٍ لم أكن أشعرُ بوجودِه ، شتـّانَ بينهُ و بينَ عالمي الذي كنتُ فيه .. و بينما كنت ألفظ أنفاسي الأخيرة رأيتُ ( باسم الكربلائي ) قد إنتهى من القصيدة حين تأكد أنه ( قد قتلني ) فوقف ( باسم الكربلائي ) على المنبر و هو ينظر إلى جثتي المُقطعة و رأسي المبتور و تعلوهُ الهيبَة و الزَهوُ و الافتخار ، حتى جعلني أشعرُ بفرَحِهِ لقتلي ..

ثم أجهَزَ على روحي و عقلي و تفكيري ، حينما رَفع يدَهُ للدعاءِ قائلاً ( اللهم بحق الحسين المظلوم وَفِقنا لِما تحبُهُ و ترضاه ) ، و فجأة .. نظرَ إليَ نظرَة أخيرة ثم إختفى من أمامي ، و إختفى المنبر و إختفى المجلس الذي كنا فيه .. و شعرتُ بروحي تطيرُ إلى الأعلى و أنا أنظرُ إلى جسدي ثاو ٍ في الفراغ مقطعٌ فوق الأرض مبتور الرأس ، فسمعتُ صوتاً يُنادي في الفراغ / أيها الناس { باسم الكربلائي } قتلَ المسكين الشاب ( غافل ) ... فتأثرت روحي و دمعَت عينايَ حزناً على ما جرى بجثتي ، و قبلَ أن يعتليني الأسى ، سمعتُ صوتاً يُنادي من بَعيد تمعنتُ فيه و كأنني أعرف صاحِبَ الصوت !! نعم ، إنهُ ( باسم الكربلائي ) سمعتهُ يصيحُ و يُرَددُ في سماء أفكاري و يقول : { لكي لا تأسَوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم } ...
ثم سكتَ صوتهُ قليلاً ، و بعدَ بُرهةٍ صارَ ينادي ...
و يقول : يا أيُها الروح ..
قلت : ماذا تريدُ مني ، بعدَ ما فعلتهُ بجسدي ..؟
قال ( باسم الكربلائي ) : يا أيها الروح ..
قلت : ما الذي تريدهُ بعد إذ قتلتني ..!!
قال ( باسم الكربلائي ) : يا أيها الروح ، لا تأسى على ( غافل ) فأنهُ قد مات ، و الأجدر بكَ أن تأسى على القتيل الأعظم .
قلت : و من هو القتيل الأعظم .. !!؟

فرأيتُ ( باسم الكربلائي ) يتجلى أمامي بهيئةِ مَلاك ذو جناحين ، يغزوهُ النورُ الإلهي المُشرق و تعطرُهُ رائحة الجنة الطيبة ..

قال ( باسم الكربلائي ) : يا أيها الروح ، إن ( غافل ) لا يستحقُ البُكاء لأنهُ كان ظالماً لنفسه ، و كذلك إنك لن تُجزى لبكائك على إنسان ٍ فاني ..

قلت : و هل يُجزى الإنسان على البُكاء ..؟
قال ( باسم الكربلائي ) : لا يُجزى إلا من ذرَفَ دُموعَهُ لأجل القتيل الأعظم .
قلت : و مَن القتيل الأعظم ؟؟

فأشارَ بيَدهِ إلى بُقعةٍ مُظلمةٍ في فضاء أفكاري فأنكشفَ عنها الظلام و إذا بها تهتفُ و تنادي بصوتٍ حزين ٍ ...
و تقول : أنا كربلاء ، أطهرُ البقاع ، و أفخرُ على بقاع الكون بأني أحتضنُ بينَ جنبَيَ جثمانَ القتيل الأعظم .
فصرختُ قائلاً : و مَن هو القتيل الأعظم ؟ أخبروني .. مَن هو ؟ .. مَن هو ..؟
فإذا بصَوتٍ يَصدَحُ من أعماق روحي ، صوتٌ حزينٌ مليءٌ بالكبرياء ، صوتٌ خشع لهُ ( باسم الكربلائي ) و خـَـرَ باكياً هو و بُقعة كربلاء .. صوتٌ هَزَ أفلاك أفكاري و عاثَ بها ، صوتٌ شَجيٌ جاءَ من بعيدٍ و هو يُنادي ...
و يقول : أنا القتيل الأعظم ، أنا قتيل العبَرات ، أنا الذي بكى عليََََّ أهل السماء و الأرض ، أنا الذي قـُتِلتُ مظلوماً و عطشاناً ، أنا الذي حَزوا رأسي و قطـَّعوا أوصالي إرباً إرباً ، و داسوا على صدري و طحَنوا أضلاعي بحَوافِر الخيول ، أنا الذي سلبوا ردائي و ترَكوني مُلقاً في البيداء تحت حَر الشمس الملتهبة ثلاثة أيامٍ دون أن يدفنوني ، أنا الذي سلِبَت عِيالي و يُتِمَت أطفالي و هُتِكت حُرمَتي .. أنا ابن خير الأنبياء ، و ابن سَيد الأوصياء ، و ابن سيدة النساء ، أنا أخُ المسمومِ و أبو الأئمةِ الأتقياء .. يا أيها الروح ، أنا ابن محمدٍ و علي ٍ و فاطمة الزهراء .. فقل مَن كان يسأل عن القتيل الأعظم ، فأنا هوَ ، أنا الحُسَينُ ألشـَهيد .

فأنقطعَ الصوت ، و اختفت بقعة كربلاء ، و لم يبقى سِوى ( باسم الكربلائي ) و أنا ، و كنتُ أجهَشُ بالبُكاء و الأنين ...
قال ( باسم الكربلائي ) : يا أيها الروح ، لماذا البُكاء ؟
قلت : ابكي على ( غافل ) .
قال ( باسم الكربلائي ) : و هل من العدل أن تبكي على جسم إنسان ٍ فان ٍ ، بعدما رأيتَ مصيبة القتيل الأعظم !!
قلت : أنا لا أبكي أساً لما جرى لجثة ( غافل ) ، بل أبكي على ما فات من أيامي دون أن أفتح بابَ قلبي و أعرفَ مَن يسكنه .. فوآ حسرتاهُ على ما مَضى مِن عُمري ..

فغمرني البكاء و الشجَن و الأنين ، و إذا بي أشعُرُ بيَدِ ( باسم الكربلائي ) و هو يطبطِبُ على رأسي و يكلمني بصوتٍ حنين ٍ ...
قال ( باسم الكربلائي ) : لا تحزَن يا أخي ، فأن الله توابٌ رحيم رؤوفٌ بالعباد .. فأن قضى ( غافل ) .. لا زلتَ أنتَ موجودٌ بروح ٍ مُطـَّلِعَةٍ واعِيَةٍ بحَق الله ، مُتيَقِنة بالهُدى.
قلت : هل لي مِن توبَةٍ يَقبَلها الله ؟
قال ( باسم الكربلائي ) : ألَم أقـُل لكَ إنَ الله توابٌ رحيم ، فلا تأسَ على ( غافل ) ، بَل إفرَح بما أنتَ عَليهِ الآن .. فـَـقـُـم يا أخي و اهتف معي { الحمدُ لله الذي هَدانا لهذا و ما كنا لنهتديَ لولا أن هدانا الله ، لقد جاءت رُسُلُ رَبنا بالحَق .. السلامُ على رسول الله محمدٍ حبيب الله ، السلامُ على أمير المؤمنين علي ٍ ولي الله ، السلامُ على الصِدّيقة الطاهرةِ فاطمَة الزهراء ، السلامُ على الحسَن المُجتبى ، السلامُ على الحُسَين الشهيد ، السلامُ على الأئمَةِ المَعصومينَ مِن ذريَة الحُسَين .. أشهَدُ و اُشهــِــدُ الله أني بكم مؤمن و بإيابكم موقن بشرائع ديني و خواتيم عملي ، و قلبي لقلبكم سلمٌ و أمري لأمركم متبَع صلواتُ الله و سلامُهُ عليكم ، و على أجسادكم و على أجسامكم و على شاهدكم و على غائبكم ، عليكم مني سلامُ الله أبَداً ما بَقيتُ و بَقيَ الليلُ و النهار و لا..
.. جعَلهُ الله آخِرَ العَهدِ مني لزيارتكم .. السلامُ على الحُسَين و على علي ابن الحُسَين ، و على أولاد الحُسَين و على أصحاب الحُسَين و على أنصار الحُسَين ، و رَحمَةُ الله و بَرَكاته .
فرَددها لساني و قلبي و روحي و كأنني أحفظها عن ظهر قلب ...

قال ( باسم الكربلائي ) : يا أخي ، تـُرى هل لا زلتَ حَزيناً على ( غافل ) ؟
قلت : الحمدُ لله الذي قتلَ ( غافل ) بيَدِ ( باسم الكربلائي ) ...

فصارَ ( باسم الكربلائي ) يبتسمُ بوَجهي و يبتعِدُ كأنهُ يختفي من أمام عيني فصِرتُ أصرُخ بصَوتٍ عال ٍ ....
و أقول : الحمدُ لله الذي قتلَ ( غافل ) بيَدِ ( باسم الكربلائي ) ...
و صِرتُ اُرَدِدها عالياً مِراراً و تِكراراً ، حتى شعَرتُ بأني أرتـَّجُ كأنَ أحَداً يَهُزُني ، ثم سمعتُ صوتاً عالياً يَصيحُ بي ...


يتبع ......



فصارَ ( باسم الكربلائي ) يبتسمُ بوَجهي و يبتعِدُ كأنهُ يختفي من أمام عيني فصِرتُ أصرُخ بصَوتٍ عال ٍ ....
و أقول : الحمدُ لله الذي قتلَ ( غافل ) بيَدِ ( باسم الكربلائي ) ...
و صِرتُ اُرَدِدها عالياً مِراراً و تِكراراً ، حتى شعَرتُ بأني أرتـَّجُ كأنَ أحَداً يَهُزُني ، ثم سمعتُ صوتاً عالياً يَصيحُ بي ...
و يقول : أفِـق يا ( غافل ) ماذا دَهاك ؟ .. أفِـق هيا .. !

فتحتُ عينايَ فرَأيتُ صَديقي و هو مخطوف اللون ، شاحِبَ الوَجه ...
قال صديقي : ماذا جرى لكَ يا رَجُل ، أفِـق فلا شكَ أنهُ كابوس ...

فبدأتُ أسترجعُ أفكاري و أستعيدُ وَعيي و أرجعُ إلى الواقع ، فأدرَكتُ أني غفوتُ قليلاً ، فوَجَهتُ نظري إلى التلفاز و إذا بي أرى ( باسم الكربلائي ) و هو لا زالَ يُنشِدُ قصيدة ( نار قلبي العطشان ) فقلتُ في أعماق نفسي : { جَزاكَ الله خيراً أيها الخادِمُ الهُمام ، جزاكَ اللهُ خيراً .. يا أخي ... }



قال صديقي : بماذا حَلمتَ يا ( غافل ) ؟
قلت : بالهُدى ...
قال صديقي : ماذا تعني يا ( غافل ) !!
قلت : يا صاحِبي ، أنا لستُ ( غافل ) الذي غفي منذ قليل ...
قال صديقي : ماذا تعني ؟؟!!
قلت : إنَ ( غافل ) قد ماتَ ، و الحمدُ لله ...
قال صديقي : مات !! .. كيفَ مات ؟ .. و الحمدُ لله على ماذا ؟؟
قلت : الحمدُ لله الذي قتلَ ( غافل ) بيَدِ ( باسم الكربلائي ) ...
قال صديقي : و اللهِ لقد جننتني ، و ما دَخلُ ( باسم الكربلائي ) بالأمر ؟ هل حلمتَ بهِ أم إنكَ ما زِلتَ نائماً ؟
قلت : يا صاحبي .. و الله إني ما صَحوتُ مِن نومَةِ غفلَتي إلا الآن ، فإشهَد يا صاحبي إني اُعلِنُ توبَتي لله و أقسم أني سأسيرُ على خط الحُسَين ( عليه السلام ) حتى أبلغ الذرى ، و سأسَخِرُ لهُ كلَ جوارحي و طاقاتي و مواهبي و قلمي و كتاباتي و صوتي و سَمعي و أفكاري لكي يشفعَ لي عند الله جَلَ و عَلا .


تلك اللحظة كانت اللحظة التي قتِلَ فيها ( غافل ) و وُلِدَ شخصٌ آخر ، بقلبٍ جديد و عقل ٍ جديد و روح ٍ جديدة ، كانت تلك لحظة ولادة خادم الحُسَين الفاني الفقير الشاعر الرادود الحُسَيني { ياسر أبو علي } الذي هو و الحمدُ لله أنا .. لا تستغربوا من قولي فلقد بدأتُ رحلتي في الخدمة الحُسَينية في نفس الليلة ، ليلة التاسع من محرم الحرام ، حيث قلتُ لصاحبي حينها ...
قلت : هيا بنا نذهبُ إلى زيارة الأمام ( الكاظم عليه السلام ) ...
و بالفعل ذهبنا و أدينا مراسم الزيارة و أعلنتُ نِيَّتي أمام الأمام ( الكاظم عليه السلام)


و بدأت من يومها أكتبُ الشِعرَ في رثاء محمدٍ و آل بيته ( عليهم الصلاة و السلام أجمعين ) فدرستُ و إجتهدتُ كثيراً و تعلمت من الاستاذ الأديب ( جابر الكاظمي ) أن الشاعر يجب أن يدرس الحالة التي يريد أن يُصورُها في قصيدته ، فأبتعدتُ عن الأسلوب الفِطري في الكتابة و درست عن أهل البيت ( عليهم السلام ) و بدأ بركان الشعر الحُسَيني يَنضَحُ من قلمي إبداعاً ، و يُصَور قصة القصيدة بكل دِقة .. و ليَّ الفخرُ و الحمدُ لله أن الناس عندما سمعوا قصائدي لم يُصَدِقوا أني كاتبُها بل ظنوا أنها للأستاذ ( جابر الكاظمي ) ، ذلك لأني إنتهجتُ نهجَهُ في كتابة قصائد الشعر الحُسَيني بكل أوزانه و طرائقه ( الفصيح / الشعبي / المُلمَع ) و غيرها من الأوزان الشعرية التي تعلمتها من مدرسة الشعر الحسيني الحديث ، الأستاذ ( جابر الكاظمي ) .

و لله الحمدُ أن أنعمَ عليَّ و مَنحَني صوتاً قال عنهُ الناس أنهُ شَجي و فيه من رَخامة صوت ( باسم الكربلائي ) الكثير من التشابُه ، و مع إجتهادي في الشِعر الحُسَيني إلا أني سِرتُ على نَهج ِ و خـُـطى الحاج ( باسم الكربلائي ) ، و بعدَ دراسةِ شخصيَتِهِ الفـَـذة على المنبر و قـُدراتِهِ الفتاكة التي شـَهـِـدَ له بها كل المتابعين له ، تمكنتُ بعدَ توفيق ٍ مِن الله و بَرَكةٍ مِن محمدٍ و آل محمد ( عليهم الصلاة و السلام أجمعين ) ، تمكنتُ مِن أن أحصُلَ على وسام جديدٍ في قراءة القصائد الحُسَينية إلى جانب وسام كتابة الشِعر الحُسَيني ، و لي الفخرُ إذ يُلَقِبُني الناسُ في كل مكان ٍ أقرأ فيهِ في العراق .. يُلَقِبوني ( باسم الكربلائي الثاني ) ، أو يقولون ( إنَ هذا الرادود هو شبيه باسم الكربلائي ) و هذا الوصف يُقصَدُ بهِ التشابُه في الأداء أكثرُ مِن أن يُقصَدُ به التشابُه في الشكل .. و هذه المسألة بحَد ذاتها بمثابةِ نِعمةٍ عظيمةٍ من الله سبحانهُ و تعالى .



إنَ ما ذكرتهُ من تغيُرات حصلت في شخصيَتي ، لم يأتِ بينَ ليلةٍ و ضحاها ، بل جاء بعدَ عناءٍ كبير ٍ و تعَبٍ و سَهَر ٍ و دراسة ، و فوق هذا كلِهِ مُعاناة نفسيَة لقِلة المجالس في أيام النِظام البائد .. فقد كنتُ أكتبُ الشِعرَ الحُسَيني و القيهِ بينَ أصدقائي في جلساتٍ سِرِّية ، و عِندما بدأتُ انشد القصائد .. كنتُ انشدُها في الحافلات التي نذهبُ بها لزيارة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
و لكن في العام الأخير لحكومة النظام البائد ، أقمنا مجالسَ عديدة ( أيضاً سِرِّية ) و لكنها كانت مجالس لطم و ليس لإلقاء الشِعر فقط ، و لولا لُطف الله الذي أطاح بتلك الزمرة الظالمة لكانوا ألحَقوا بنا الأذى لما قمنا بهِ من تحدي ٍ لقوانينهم الجائرة ألتي تقضي بمنع أي تجمع يذكر فيه آل البيت ( عليهم السلام ) .
إن سقوط حكومة النظام البائد ، كان يتزامن مع أيام محرم الحرام كما تعلمون ، و بحُكم أن منطقتي التي أعيشُ بها من المناطق الفقيرة فقد بدأنا في تلك الفترة بإقامة مجالس العَزاء داخل البيوت و بدأ الناس يتهافتون للحضور ، و بدأتُ و الحمدُ لله أتمَيَّز لكوني إختلفت عن باقي الرواديد في الكرخ من حيث الأداء و من حيث إقتناء القصائد فأنا كنتُ أقرأ قصائدي التي أكتبُها بنفسي .. و الحمدُ لله إستمرت مُشاركاتي في المجالس الحسينية كرادودٍ و شاعر في نفس الوقت ، و حِزتُ إحترام الناس و تقديرهم ، و تغيَرَت شخصيتي بالكامل من حيث الأسلوب و الأخلاق و المظهَر و التقدير في كل المُجتمعات .

و من صفاء نيتي لله سبحانه و تعالى ، فقد رزقني في إحدى زياراتي إلى كربلاء المقدسة بأني حظيتُ بلقاء أخي الكبير و مُعلمي و صَديقي و حَبيبي الرادود الحاج الملا ( باسم الكربلائي ) .. إذ كنتُ أسيرُ أنا و أحد أصدقائي بين الحرمين الشريفين و رأينا جَمعاً مِن الناس يتهافتونَ على إحدى السيارات ، فأمعَنَ صاحبي النظر ...
و قال : ياسر ، أليسَ هذا المُلا ؟!!!
فنظرتُ و قلت : نعَم إنهُ هو و بعينه ، فلنلحَق بهِ ، بسُرعة ...

و لحِقنا بهِ إلى أحَد الفنادق المُجاورة لضَريح الإمام الحُسَين ( عليه السلام ) و إسمُهُ ( فندق الرافدين ) ، فدَخلنا وراءَهُ بدقائق قليلة ، فأخبَرَنا أحَد عمال الفندق الأخ ( أبو طيبة ) أن المُلا متعبٌ جداً ، فقد كان يَقرأ في صحن ضريح الأمام ( علي ) عليه السلام ، في النجف الأشرَف .
قلت : كيف نتمكن من رؤيتهُ ؟
قال ( أبو طيبة ) : تعالوا غداً صباحاً ، فألمُلا سيذهب إلى منطقة ( طويريج ) ، تعالوا باكراً و أنا سأرَتِب لكم مسألة لقاءه .
و بألفعٍل قدمنا في الصباح الباكر حوالي ( الساعة السادسة صباحاً ) ، لا تستغربوا .. فأنا لم أنم تلك الليلة ، إذ رُحتُ افكِرُ كيف سيستقبلنا و صرتُ أستذكر ليلة التاسع من محرم التي غيرَت حياتي .. و لا أخفيكم سِراً ( لقد كنتُ مُترَدداً مِن لقاءهِ ، لأني بدأتُ أتذكر كلام الحاقدين عنه ، و ما ينقلونهُ مِن سُمومٍ حول شخصيَتهِ و عدَم إحترامهِ للغير و تكبُرهِ على الناس و تعاليه عليهم .. ) عموماً ، قرَرتُ أن أنتهِزَ الفرصة و أكتشف شخصية ( العملاق ) الذي لا يخلو حديثٌ مِن ذِكره ..


لا تضيقوا ذرعا ، يتبع .........


قال ( أبو طيبة ) : تعالوا غداً صباحاً ، فألمُلا سيذهب إلى منطقة ( طويريج ) ، تعالوا باكراً و أنا سأرَتِب لكم مسألة لقاءه .


و بألفعٍل قدمنا في الصباح الباكر حوالي ( الساعة السادسة صباحاً ) ، لا تستغربوا .. فأنا لم أنم تلك الليلة ، إذ رُحتُ افكِرُ كيف سيستقبلنا و صرتُ أستذكر ليلة التاسع من محرم التي غيرَت حياتي .. و لا أخفيكم سِراً ( لقد كنتُ مُترَدداً مِن لقاءهِ ، لأني بدأتُ أتذكر كلام الحاقدين عنه ، و ما ينقلونهُ مِن سُمومٍ حول شخصيَتهِ و عدَم إحترامهِ للغير و تكبُرهِ على الناس و تعاليه عليهم .. ) عموماً ، قرَرتُ أن أنتهِزَ الفرصة و أكتشف شخصية ( العملاق ) الذي لا يخلو حديثٌ مِن ذِكره ..
كما أخبرتكم ، وصلنا إلى الفندق في الساعة ( السادسة صباحاً ) ، و رغم أننا وجدنا أبواب الفندق مغلقة .. إلا أننا لم نُبارح عتبة باب الفندق و ذلك بعدما تأكدت أن السيارة التي أوصلََت ( المُلا ) بالأمس ، لا زالت واقفة في مكانها ..
عموماً .. بقينا مُنتظرين حتى ( الساعة الثامنة ) حيثُ فتحَت أبواب الفندق ، فتوجهنا أنا و صاحبي لكي ندخل ، فمنعنا ( أحد العمال ) من الدخول بحجة أنه غير مسموح الدخول لغير النزلاء و العمال ، فأخبرتهُ أننا جئنا لرؤية ( مُلا باسم ) لكنه منعنا رغم ذلك و قال ( يمكنكم رُؤيتهُ عندما يخرج ، فهو رفض إستقبال أحد في الفندق ) ..
كما تعلمون ، إن فرصة كهذه لا تأتي إلا مرة واحدة في العمر ، لذلك بلا شعور رفعتُ صوتي على ( عامل الفندق ) و صِرتُ أنعتهُ بالكاذب و أخبرتهُ أن ( ألمُلا ) ليس بهذه الأخلاق لكي يرفض مقابلة المُوالين الذين يتشرَفُ بخدمتهم ..


نسيت أمر الأخ ( أبو طيبة ) لأني أحسستُ أنَ هذا الشخص يفتري على ( باسم الكربلائي ) من دون حق .. ففوجئت برَجُلٍ في عمر الأربعين تقريباً ، و بدينُ بعض الشيء يأتي باتجاهي بسُرعة ..
صاح العامل : أستاذ ( أبو سيف ) هذان الاثنان يريدان مقابلة ( باسم ) ...
قال ( أبو سيف ) : يا هذا ، قــُـل ( تاج راسي المُلا باسم الكربلائي ) و إفتخِر بها ، فأنتَ تبدي احترامك لشخص ٍ يُعَدُ في هذا الزمان ( مِن أولياء الله الذين لا خوفٌ عليهِم و لا هُم يحزنون ) .. ما بالكَ تتكلم عن ( المُلا) و كأنكَ مُستاءٌ مِن وُجودِهِ عِندنا .. يا بُني أبدي احترامك لضيوفهِ فهُم مَن يَتشرَف ( المُلا باسم ) بخدمتهِم ...
لقد هزَّني كلامُ ( أبو سيف ) ذاكَ الرَجُلُ المُحترَم ، الذي لم يهتم إلا لأن العامل قال ( باسم ) فقط ، من دون أن يقول ( المُلا ) .. فلمستُ فيه عشقاً و حنيناً للغالي المحبوب ( أبو محمد المُلا باسم الكربلائي ) ..
التفت إلينا ( أبو سيف ) و قال : أرجو أن تتقبلوا اعتذاري لما بدا مِن هذا العامل ، و أتمنى أن تتفضلوا بالدخول و الاستراحة في الصالة ، فالحاج ( باسم ) سوف ينزلُ بعدَ قليل .. تفضلوا رَجاءاً و لا تؤاخذونا ، تفضلوا ...
حقيقة ً ، لقد أبهرَني أسلوب الأخ ( أبو سيف ) و تواضعهُ ، خصوصاً بعدما أخبرنا بأنهُ ( مديرُ الفندق ) ، و مع ذلك .. رافقنا إلى الصالة و جلسَ معنا ، و حتى أنهُ طلبَ لنا ( كوبين من الشاي / على حسابه ) .. فتوجهتُ إليه بالكلام ، مُتأثراً بما أظهَرَ لنا مِن احترام و تقدير ...
قلت : جزاك الله خيراً ، أستاذ ( أبو سيف ) المحترم ، و إن ما حصَلَ لا يستوجبُ كلَ هذا التكليف .. فقد أخجلتنا بتواضعك و حُسن ِ أخلاقك و احترامك .
قال ( أبو سيف ) : عفواً لـَم أتعرَف على إسمك !!
قلتُ : اسمي ( ياسر ) ، و هذا صديقي ( حسام ) ، و نحنُ من بغداد الحبيبة ، و نفتخرُ أننا من خدَمَة أهل البيت ( عليهم السلام ) .


قال ( أبو سيف ) : مولاي العزيز ، إن ما حصَلَ عند الباب شيء و ما أقومُ به شيءٌ آخر ، فأنتم أول الضيوف الواصلين لرؤية ( المُلا ) و أنا من واجبي خدمَتكم و بكل فخر و اعتزاز .. و ذاكَ إكراماً ( للخادم الهُمام ) الذي شرَّفَ الفندقَ و نوَّرَهُ مَنذ وصوله .. فأرجو أن تعتبروا أنفسكم في بيتكم و لا تترددوا في طلب أي شيء ، و لكم مُطلق الحرية في التصرُف ، و ما هيَ إلا دقائق و يكون ( المُلا ) قد نزَلَ من غرفته و تقابلونهُ بأذن الله تعالى .
قلت : و الله يا أستاذ ( أبو سيف ) لا أدري ماذا أقول بعدما أفحمتنا بكلامك الجميل و أدعو الله عزَّ و جَل أن يُبارك لكَ في فندقك العامر و يجزيك عن محمدٍ و آلهِ ( عليهم السلام ) و عن خدمتهم أجمعين ، أفضل الجزاء و أحسن الجزاء في الدنيا و الآخرة .. إنهُ حميدٌ مُجيب .


بقينا نتبادل الحديث مع الأخ ( أبو سيف ) حتى بلغت الساعة التاسعة و النصف تقريباً خلال هذه الفترة كانت الصالة قد امتلأت بالناس الذين جاؤوا لرؤية الحاج ( باسم الكربلائي ) ، حتى أنهُ كانَ من بين الحضور الشاعر الحسيني ( أحمد الطعان السلامي الكربلائي ) و هو أحد عمالقة الشعر الحسيني في كربلاء المقدسة ، و ممن عاصروا الرادود المرحوم ( حمزة الزغير ) رحمهُ الله .. و كان قد كتبَ بعض أبيات من ( الأبوذية ) و جهزها كهدية للحاج ( باسم ) ، هذا ما أخبرني به في الحديث الذي دارَ بيننا حينها .
عموماً ، في هذه الأثناء وصل الشخص المبعوث من أهالي ( طويريج ) لكي يصطحب ( المُلا ) إلى هناك ، أدركتُ حينها أن الجو قد إزدحم ، و فرصة التمتع و التمعن برؤية ( الحاج باسم ) قد أصبحت ضئيلة جداً ، و كانت تقلُ كلما زاد عدد الحضور الذي لم يشهد انقطاع أبداً ... بل إنه في تزايدٍ مستمر .. حتى شعرتُ أنني لن أتمكن حتى من مصافحته على الأقل ، فلم أعرف حينها ما العمل ، و لم أجد في بالي إلا كلمة ( دخيلك يا علي الكرار ، ما العمَل ؟؟!!! ) .



فجأة ً ، ظهَرَ أمامي من بين الحضور وجهٌ مألوف الملامح ، متحير العينين يتفحصُ وجوه الحاضرين كأنهُ يبحثُ عن شخص ٍ أضاعهُ ، ركزت بصري عليه .. و إذا بهِ الأخ ( أبو طيبة ) ....
قلت : يا ( حسام ) هذا ( أبو طيبة ) ، لنذهَب إليه ..
اقتربنا منه حتى صِرنا أمامهُ مُباشرة ،إذ قلت في نفسي ( لن أناديه خوفاً من أن يحرجني و ينكرُ أنهُ يعرفني ، سأكتفي بإظهار نفسي أمامه فقط ) .. لكن شوقي و لهفتي لرؤية ( المُلا ) دفعني للتقدم نحوه ...
قلت : صباح الخير ( أبو طيبة ) هل تتذكرني ؟
قال ( أبو طيبة ) بنبرة استغراب : هل أتذكرُكَ !!
قلت في داخلي إنهُ نسيَّني و قد أوقعتُ نفسي في حُفرة الإحراج للأسف ... فلم أعرف ماذا أقول و بقيتُ صامتاً أمامه ....
قال ( أبو طيبة ) : ماذا بكَ أخ ( ياسر ) ... !! لقد كنتُ أبحثُ عنكما بين الحضور ، ماذا بك ( ياسر ) ، ألا تريد أن ترى ( الحاج باسم ) قبل أن يخرج ؟
قلت : و هل تسألني ، بالطبع أريد ذلك .. و لكن ماذا سأفعل وسط هذا الجمع الغفير من الناس الذين لاشك أنهم سيهجمون عليه فورَ أن يلمحونه ..
قال ( أبو طيبة ) : لا عليكما ، تعالوا ورائي ..


و بدون أي كلمة ، مشينا وراء الأخ ( أبو طيبة ) ، حتى صعدنا سلالم الفندق الخلفية و وصلنا ( الطابق الثاني ) و بعدها لم أعد أتذكرُ أيَّ شيء .. لأن الواقع كان فوق مستوى تخيلي و تصوري ...
نظرت إلى داخل الغرفة التي دخلَ إليها ( أبو طيبة ) فأبهرني ما رأيت ( و الله العظيم لست أبالغ ) فنور وجهه كان ساطعاً كما البدرُ في ليلة تمامه ، و بريقُ ابتسامتهِ و هو يقول ( و لماذا يقفون في الخارج ، تفضلوا بالدخول أهلاً و سهلاً بأبناء بغداد ، تفضل مولاي مرحباً بكم ) .
فلم أعرف ماذا أقول ، أو ماذا أفعل .. و سألتُ نفسي متفاجئاً ...
قلت : هل أنا في حلم ، هل حقاً ما أراه و أسمعه ، هل حقاً هذا هو الذي يرحب بي و يدعوني للدخول ، و إلى أين ؟ .. إلى غرفته الخاصة !! .. يا رَب ، إن كنتُ أحلُم فلا أريدُ أن أصحو من هذا الحلم الرائع .
فلم أعد أشعُرُ بشيء و لم أعد أرى أمامي إلا صاحبَ الوجه المُنير ، و من صدمتي و عدم تصديقي لما أرى .. لا زلتُ اسألُ نفسي : هل هذا حقاً هوَ ؟!!
لنا لقاء أيها الأحبة

يتبع ..............


نظرت إلى داخل الغرفة التي دخلَ إليها ( أبو طيبة ) فأبهرني ما رأيت ( و الله العظيم لست أبالغ ) فنور وجهه كان ساطعاً كما البدرُ في ليلة تمامه ، و بريقُ ابتسامتهِ و هو يقول ( و لماذا يقفون في الخارج ، تفضلوا بالدخول أهلاً و سهلاً بأبناء بغداد ، تفضل مولاي مرحباً بكم ) .

فلم أعرف ماذا أقول ، أو ماذا أفعل .. و سألتُ نفسي متفاجئاً ...
قلت : هل أنا في حلم ، هل حقاً ما أراه و أسمعه ، هل حقاً هذا هو الذي يرحب بي و يدعوني للدخول ، و إلى أين ؟ .. إلى غرفته الخاصة !! .. يا رَب ، إن كنتُ أحلُم فلا أريدُ أن أصحو من هذا الحلم الرائع .
فلم أعد أشعُرُ بشيء و لم أعد أرى أمامي إلا صاحبَ الوجه المُنير ، و من صدمتي و عدم تصديقي لما أرى .. لا زلتُ اسألُ نفسي : هل هذا حقاً هوَ ؟!!
و ما أفقتُ من صدمتي إلا عندما أحسستُ بكفِهِ في كفي ، يُصافحُني .. و يُسَلمُ عليَّ و يُرَحِبُ بي ، فجاءَ صوتٌ من أعماقي يقول ( يا ياسر ، أنا الذي طبطبتُ بيَدي على رأسِكَ بعدما قتلتُ { غافل } ، فهل عرفتني يا أخي ؟... ) فتيقنتُ في تلك اللحظة بأني لستُ في حلم ، و إن ما يحصُلُ لي كلهُ حقيقي ، و تأكدتُ بأنهُ هو ، نعم إنهُ هو حقاً .. إنهُ ( الحاج باسم الكربلائي ) ، يقفُ أمامي ، يُصافحُني و يُرَحبُ بي ...
قال ( باسم الكربلائي ) : أهلاً و سهلاً بكم ، و الله نوَرتونا ، تفضلوا إستريحوا ، يا مرحباً بكم ، يا هلا ...
جلسنا في غرفته الخاصة و كان معه فيها ( حسب ما علمت ) خالهُ و أحد أصدقائه و ثلاثة من نزلاء الفندق .. و للعِلم ( إن الغرفة كانت بسيطة إلى أبعد الحدود إذ أبعادها لا تتجاوز { 4 × 3 } متر ،حتى أنها لا تحتوي على أثاث للجلوس و ليس فيها غير ثلاثة أسِرة مُفردة ) هي التي جلسنا عليها .
جلس الحاج ( باسم الكربلائي ) أمامي ، أراهُ وجهاً لوجه ، و أمعِنُ النظرَ في ذلك الوجه الحسيني المُشرق مثل الشمس تماماً كما رأيتهُ في حُلمي لا تنقصُهُ سوى أجنحةُ الملائكة التي كان يطيرُ بها حينما قتلَ ( غافل ) ..
لم يزَل ( المُلا ) يُرحبُ بنا بمزيدٍ من طيب الأخلاق و الذوق الرفيع و القلب الحسيني المرهَف الذي أثبتَ أنهُ يتشرَفُ بخِدمة خـُـدّام أهل البيت ( عليهم السلام ) ، و بالمُقابل لا زلتُ أنا غارقاً في صدمتي حتى أني لم أتفوه بكلمة واحدة ..


و حينما نويت أن أتكلم لم أعرف ماذا أقول ، فشعرتُ بأنهُ بدأ يستغربُ من سكوتي في حين أن صديقي ( حسام ) لم يَنفَك يرُدُ عليه السلام و التحية ، فأردتُ أن أتكلم ...
قلت : ( مُلا باسم ) ، ممكن أطلُب من جنابك طلب ؟
قال ( باسم الكربلائي ) : تأمُرني أمُر ، أطلب و ( تِـتـدَلـَـل ) مولاي ...
زادَ رَدَهُ من دهشتي و ذهولي ...
قلت : أمنيتي أن أحضنــُـك ...
فما كانَ منهُ إلا أن أشرَقَ بتلك الابتسامة الحسينية البَراقة ...
قال ( باسم الكربلائي ) بلهجة أهل العراق : حبيبي صدُك جــِـذِب ...
، و كأنهُ يقول ( تأمرني أمر حبيبي ) ...
فنهَضَ من على السَرير الذي كان يجلسُ عليه و فتـََحَ ذراعيه الطاهرة فقـُُمتُ أنا أيضاً ، فاحتضنني بكل حرارةٍ و أخوةٍ و تواضُع ...
لحظتها أحسستُ بأني بلغتُ قِمة َ ما كنتُ أصبو إليه عندَ رُؤيتي إليه .. و كانت تلك أحلى و أغلى لحظات حياتي بأكملها ما مَضى مِنها و ما بقي .. قــَـبَّــلتـُـهُ و قـَـبَّــلـَـني .. و شكرتهُ على طيب أخلاقهِ و تواضُعِهِ ، و رجاني أن أجلس و أستريح بينما يتكلم مع خاله ، فجلست بقرب صديقي ( حسام ) تعتليني ملامح السَعادة و البَهجة ...
قال ( حسام ) : ياسر ، تـُرى هل سيُصَدقنا الناس عندما نخبرهم بلقائنا بالحاج ( باسم الكربلائي ) ، ماذا تعتقد ؟
قلت : و الله لن يُصَدقنا أحد ، فالكلُ يرى الأمرَ مستحيلاً .
قال ( حسام ) : ما العَمَل إذاً ؟
قلت : ليسَ بيَدِنا شيء ، و يكفينا مِن لـُطف الله أن أنعَمَ علينا بلقاء ( المُلا ) و أكرَمنا بما أكرَمنا حتى الآن ، رغم ما واجهناه من صعوبات و مواقف .
قال ( حسام ) : الحمدُ لله على كل حال .


في تلك اللحظة دخل مبعوث أهالي منطقة ( طويريج ) و قد أحضر معهُ أحد المُصَورين أظن أن اسمُهُ كان ( ذو الفقار ) فهذا ما كان مكتوباً على وصل الصور الخاص به ، فكانت تلك هدية أخرى من الله سبحانهُ و تعالى ، إذ أخذت معهُ صُوَراً تذكارية أنا و ( حسام ) ، و تلك الصُوَر هي أعَزُ ما أملك في هذه الدُنيا .
بعدها بدؤوا يستعجلونه للذهاب فالتفت إلينا و صارَ يعتذرُ منا لأنهُ مُضطرٌ للذهاب فسَلــَّمَ علينا ... و قـَبَّـلنا ... و رَحَل ... و رأيتهُ يذهب و كأنهُ يأخذ معهُ روحي من جسَدي ، و قبل أن ينزل السلالم ، ناديتُ عليه بصَوتٍ حزين ...
قلت : مُلا باسم ...
قال ( باسم الكربلائي ) : عيوني ...
قلت : متى نراكَ ثانية ً مولاي ؟
قال ( باسم الكربلائي ) : ألـَستَ مِن بغداد الحَبيبة ؟
قلت : نعم ، مِن بغداد ...
قال ( باسم الكربلائي ) : أنا سأكون بَعدَ غـَدٍ السَبت في صحن الإمامين الكاظمين ( عليهما السلام ) ، لكي أحيي هناك مجلساً لهما .. يُمكنكَ أن تَراني هُناك ، إلى اللقاء بأمان الله ( يا أخي ) .
نزَلَ السلالم ، فنزلنا وراءه .. فدَخلَ إلى صالة الفندق و سَلــَّمَ على جميع الضيوف الذين كانوا بانتظاره ، ( و الله كانَ يُسَـلِـمُ على الناس بحرارة سلام المُهاجرُ عن داره حين يُسَلِـمُ إخوَتِه الذينَ اشتاقَ لرُؤيتهم طويلاً ،إذ أنهُ لم يترُك فرداً إلا و صافحَهُ و قـَـبَّـلـَـهُ بحرارةٍ و شوق كأنهُ يَعرفهُم من زمان ) ، و كانت فرحتهُ لا توصَف و هو يأخذ مع الناس صُوراً تذكارية .. بعدما سَلــَّمَ على جميعِ مَن في الصالة ، استأذنَ من الناس و ترَكَ الفندق مُبتسِماً مُبتهجاً ، فرَكبَ سيارة من نوع ( ساب / saab ) على ما أعتقد ، و توجه إلى منطقة ( طويريج ) في أطراف كربلاء ...



و رَحَل ، لكنهُ خطفَ أنفاسي معه ، و لكن ليسَ بيَدي أيَّ شيء .. فأنا واحِدٌ مِن مَلايين الناس الذين يعشقون ( باسم الكربلائي ) ، و عزائي أنني من القليلين الذين رَزقهُم الله لقاءهُ و محادثتهُ عن قـُرُب .
للعِلم ، إن لِقائي بالحاج ( باسم الكربلائي ) و الأحداث التي رَويتها لم تستغرق سوى ( نصف ساعة ) تقريباً ، و لكنها عِندي تـُساوي عُمراً بأكمَلِه .. و كما أتذكر فأن هذا كان في يوم ( الخميس ) المصادف ( 17 / 7 / 2003 ) في زيارته الاولى للعراق بعد سقوط النظام البائد .

عندما رَجعتُ من كربلاء المُقدسة و أريتُ الصُوَر لأهلي و أصدقائي و أقاربي ، فهَنئني الجميع على لقائي بالمُلا ( باسم الكربلائي ) ، فأخبرتهُم أن ( المُلا ) سيَكون في الكاظمية يوم السبت الساعة السابعة مساءاً .. و فِعلاً ذهَبنا جميعاً و ( لطمنا ) في مجلس العزاء الذي أحياه هناك الحاج ( باسم الكربلائي ) .
و عندما ختـَمَ المَجلس خرَجَ مِن الصَحن الشريف مَحفوفاً بهُتافات الناس و دُعائهم لهُ بالصِحةِ و العافية و العُمر المَديد ، و رَكبَ نفس السيارة التي رَكبها في كربلاء .. و انطلقت به بعيداً ، و كانت تلك هي المَرة الأخيرة التي أراهُ فيها رَغمَ أنهُ جاءَ بَعدَها إلى العراق كثيراً .
و من المُفارقات أنَ الحاج ( باسم الكربلائي ) كانَ في ( مَدينة الكاظمية ) هذا العام ( 2008م / 1429هـ ) في ( شهر رَجب ) ، و أحيا ( ذكرى استشهاد الإمام موسى ابن جَعفر ، عليه السلام ) لمُدة ثلاثة أيام ، و أنا أيضاً كنتُ في الكاظمية ..


لنا لقاء

و من المُفارقات أنَ الحاج ( باسم الكربلائي ) كانَ في ( مَدينة الكاظمية ) هذا العام ( 2008م / 1429هـ ) في ( شهر رَجب ) ، و أحيا ( ذكرى استشهاد الإمام موسى ابن جَعفر ، عليه السلام ) لمُدة ثلاثة أيام ، و أنا أيضاً كنتُ في الكاظمية .. لكنني لَم أحضَر مَجالسهُ الثلاث ، و لم أحظى برُؤيَتهِ ، رغمَ أنهُ لم يَكن يَفصِل بيني و بينهُ سوى بضع أمتار معدودة .. و السَبَب هو أنهُ في نفس الوَقت الذي كان فيه الحاج أبو محمد ( باسم الكربلائي ) يَقرأ على المنبَر في الًصحن الكاظمي الشريف ، كنتُ أنا أقرأ على منبَرٍ آخر و لكن خارج الصحن الطاهر .


لذلك لم أتمكن مِن رُؤيته أو الحضور لمجالسِهِ العامِرة و الحمدُ لله .. رغمَ أسفي و حَسرَتي لأني لم ألتقي بهِ ، لكني قلتُ في نفسي ( الحمدُ لله الذي جعَلني مِن السائرين على نهج محمدٍ و آلهِ ( عليهم الصلاة و السلام ) ، بفضل ٍ من الله و منهم أولاً ، و بفضل الهُمام العملاق الحاج ( باسم الكربلائي ) ، الذي قتـَلني بسيف أدائهِ المُتميز ، وأحياني الله بَعدها شخصاً آخرَ يَسعى لأن يَحملَ ذات السيف ( سيف الأداء المتميز ).
و في خِضـَّم هذه الأحداث كلها يأخذني الشرود الذهني أحياناً فأروحُ أتطلَعُ إلى حالي و أتذكرُ كيف كنتُ في أيام ( غافل ) ، و أنظر على نفسي كيف أصبحتُ في الوقت الحاضر .. فأعودُ من شرود تفكيري و غوصي في تلك الذكريات و أنا لا أتأمَلُ سِوى صَوتَ الحُسَين ( عليه السلام ) ...
و هو يقول لي : .. يا أيها الروح ، أنا ابن محمدٍ و علي ٍ و فاطمة الزهراء .. فقل مَن كان يسأل عن القتيل الأعظم ، فأنا هوَ ، أنا الحُسَينُ ألشـَهيد .
و كذلك صَوتُ بُقعةِ كربلاء المُقدسة ...
و هي تقول : أنا كربلاء ، أطهرُ البقاع ، و أفخرُ على بقاع الكون بأني أحتضنُ بينَ جنبَيَ جثمانَ القتيل الأعظم .
و أعود و أتأمَل مَلامح و صورة و شكلَ الحاج ( باسم الكربلائي ) حينما طـَبطـَبَ على رأسي ...
و قال : لا تحزَن يا أخي ، فأن الله توابٌ رحيم رؤوفٌ بالعباد .. فأن قضى ( غافل ) .. لا زلتَ أنتَ موجودٌ بروح ٍ مُطـَّلِعَةٍ واعِيَةٍ بحَق الله ، مُتيَقِنة بالهُدى .. فلا تأسى على ( غافل ) ، و قـُم و افرَح بما أنت عليه الآن .
نعم فلي الفخرُ أن أفرَح بما أنا عليه الآن ، إذ أني أمشي بين الناس يَعتليني الزَهو و الفخر ، فحينما اُسَلِـمُ عليهم يَرُدون علي بكل احترام و تقدير و يقولون ( أهلا و سَهلا بخادم الحُسَين ) و هكذا أحوز كل التقدير و الاحترام و المَحبة ، فأمعن النظر في عَظـَـمَة مَن انتسَبتُ إلى صُفوف خدمتهم فرَفعوا هُم مِن شأني بالمُقابل .

و أنا مَن أكونُ لهُم ؟ .. لستُ سِوى خادِمهُم ( عليهم السلام ) .. و أعودُ بَعدَ كل هذا و أقول بكل امتنان ( الحمدُ لله الذي قتلَ { غافل } بيَدِ { باسم الكربلائي } ، و حَوَّلـَني مِن خط الضَلالةِ و العِصيان .. إلى خطِ الهُدى و الإيمان ) .
و أحمَدُ الله على ما وَهَبَني مِن إمكاناتٍ شِعرية و قـُدرَةٍ على أداء القصائد الحُسَينية حتى صِرتُ و الحَمدُ لله ...
خادمُ أهل البيت ( عليهم السلام ) ...
الشاعر الرادود ...
( ياسر المنشد ) .


إلى هنا تنتهي هذه القصة فقط
و لكن قصصنا مع حبيب الروح الغالي
الحاج باسم الكربلائي
لا شك أنها لم و لن تنتهي

و هذه هدية بسيطة أختصر فيها ما جاء في القصة
و هي مهداة إلى الأخ و الاستاذ
أبو محمد
العزيز الغالي

أرجو أن تنال رضاه و قبوله


يا باسِمُ الـحُـبَ و الوجدان ......
بقلم الشاعر الرادود / ياسر المنشد

رأيتكَ في مَنامي مَلاكاً طائراً
تـَسعى إلى هَديي بشتى السَـبُـل ِ

و مِن غـَـفلـَتي كنتُ أخشى مِن يَـداكَ
فإن أنتَ للخـَير ِ مَـدَدتـَها ، أصطـَـلي

رَفعتَ سَيفَ أدائِكَ الـمُـتـمَـيز ِ ...
فـَـلـَـم تـَستـَـرح و اللهِ إلا بمَقتـَـلي

قـَـتـَـلتَ ( غافلَ ) بالإصرار ِ عامِـداً
مِـن دون ِ رَيبٍ ، و دون ِ تـَـوَجُل ِ

و أحيَيتَ بَعـدَها كِـياناً آخراً ..
نادى مِنَ الأعماق ( مَـولايَ عَـلـي )

يا ( باسِـمَ ) الخـَيرَ فِـداكَ نـَـفسي
و قـَـلبي و روحي و الهَـوى يا مَـنهَـلي

أنا مُـذ رَأيتـُـكَ و إحتـَـضَـنتـُـكَ ، يا أخي
و أنا أعيشُ بـحَـيرَةٍ واجـلاً، مُـنذهِـل ِ !!

فـَـما إحتـَـضَـنتـُـكَ في جَنبَـيَّ ، و إنـَـما ..
قــَـد إحتـَضَنتُ بَدراً ، كامِلاً مُكتـَـمِل ِ

أنا مُـذ رَأيتـُـكَ و إرتـَـحَلتَ بيَومِـها ..
و أنا أعيشُ يا عِشقي على أمَـلي

فمَـتى أراكَ بأم ِ العَـين ِ ثانِـيَــة ً ..؟
و مَتى تـُـصافِـحُ يُـمناكَ أنامِـلي ..؟


و مَتى أراكَ ؟.. فـَـشـَوقُ القـَـلبِ يَقتـُـلـُـني
و جُرحُ شـَـوق العاشِقينَ ليسَ يَـنـدَمِـل ِ

أبا مُـحَـمَـدٍ ، فِـداكَ ( ياسِرَ ) يا أخـي ..
فـَـأنتَ أستاذي ، و فـَـخري ، و مَوئِـلي

يا ( باسِـمُ ) الحُبَ و الوجدانُ مَسكـَـنـُـهُ
سَـلامُ اللهِ مِـني ، إلـَـيكَ يا ( مَـثــَــلي )



أرجو أن تتقبلوا إعتذاري مرة اخرى على الإطالة

و إلى لقاء قريب مع مشاركة جديدة باذن الله تعالى

دمتم في أمان الله و حفظه

أخوكم خادم الاطهار

الشاعر الرادود الحسيني

ياسر المنشد




منقولللل من منتديات قروب باسم





التعديل الأخير تم بواسطة سماهر الجبوري ; 08-25-2011 الساعة 12:50 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-25-2011, 12:44 PM
الصورة الرمزية سيهاتي.
سيهاتي.... سيهاتي. غير متواجد حالياً
المدير العام ومؤسس المنتدى
 








افتراضي

وين مافيه اي شي

عدل ع الموضوووووع




رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-02-2011, 03:54 AM
ميار! ميار! غير متواجد حالياً
عضو مميز
 







افتراضي






رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لقى, الكربلائي, باسم, قتلني


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
افراح مواليد باسم الكربلائي وجليل الكربلائي ماروكو صَدىَ أَفرَاحَ آلَ الَبيَت "ع" 9 07-15-2011 06:02 PM
صورة نادرة جداً للرادود باسم الكربلائي وجليل الكربلائي سيهاتي. ألبوم صوَر الروادَيد والمنشدين 23 05-23-2011 08:59 AM
صور الملاء باسم الكربلائي السـ جرح عيوني ــهر•._.• ألبوم صوَر الروادَيد والمنشدين 4 01-30-2011 05:31 AM
باسم الكربلائي في لندن فلسفة واقعنا ألبوم صوَر الروادَيد والمنشدين 3 09-08-2010 09:03 PM


All times are GMT +3.5. The time now is 07:10 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
الحقوق محفوظه لمنتدى صوت الرادود

Security team

himodesign