عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 04-27-2010, 05:39 PM
فلسفة واقعنا... فلسفة واقعنا غير متواجد حالياً
VIB
 







افتراضي

وقائع وأحداث كبرى
ينقضّ المختار على الكوفة وقد خبّأت رؤوس الفتنة والضلالة والجريمة، آلافاً من قتلة سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السّلام، فيحصدها المختار انتقاماً لدم وليّ الله، وثأراً ممّن قتل الأطفال والصالحين وسبى النساء والأرامل والثكالى.. الذين جعلوا بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله في عزاء ونحيب وعويل ليلَ نهار.
• قال المنهال: دخلتُ على عليّ بن الحسين مُنصرَفي من مكّة، فقال لي: يا منهال، ما صنع حرملةُ بن كاهل الأسديّ ؟ فقلت: تركته حيّاً بالكوفة. فرفع يديه جميعاً ثمّ قال عليه السّلام: أللهمّ أَذِقْه حرَّ الحديد، أللهمّ أذِقْه حرّ الحديد، أللهمّ أذِقْه حرَّ النار.
قال المنهال: فقدمتُ الكوفة وقد ظهر المختار بن أبي عبيد الثقفيّ، وكان صديقاً.. فركبتُ إليه ولقيتُه خارجاً من داره، فقال: يا منهال، لم تأتِنا في ولايتنا هذه ( أي حكومتنا )، ولم تُهنّئنا بها، ولم تُشركنا فيها ؟! فأعلمتُه أنّي كنت بمكّة، وأنّي قد جئتك الآن. وسايرتُه ونحن نتحدّث حتّى أتى « الكُناسة » فوقف وقوفاً كأنه ينظر شيئاً، وقد كان أُخبر بمكان حرملة فوجّه في طلبه، فلم يلبث أن جاء قوم يركضون وقوم يشتدّون، حتّى قالوا: أيُّها الأميرُ البشارة، قد أُخذ حرملة بن كاهل! فما لبثنا أن جيء به، فلمّا نظر إليه المختار قال لحرملة: الحمد لله الذي مكّنني منك... ثمّ قال: النارَ النار. فأُتيَ بنارٍ وقصب، فأُلقي عليه فاشتعل فيه النار.
قال المنهال: فقلت: سبحانَ الله! فقال لي: يا منهال، إنّ التسبيح لَحَسَن، ففيم سبّحت ؟ قلت: أيّها الأمير، دخلتُ في سفرتي هذه منصرفي من مكّة على عليّ بن الحسين عليه السّلام فقال لي: يا منهال، ما فعل حرملة بن كاهل الأسديّ ؟ فقلت: تركتُه حيّاً بالكوفة. فرفع يديه جميعاً فقال: أللهمّ أذِقْه حرَّ الحديد، أللهمّ أذِقْه حرّ الحديد، أللهمّ أذقْه حرّ النار.
فقال لي المختار: أسمعتَ عليَّ بن الحسين يقول هذا ؟! فقلت: واللهِ لقد سمعتُه يقول هذا. فنزل عن دابّته وصلّى ركعتين فأطال السجود.. ثمّ ركب وقد احترق حرملة، وركبتُ معه، وسرنا فحاذيتُ داري فقلت:أيّها الأمير، إن رأيتَ أن تُشرّفني وتُكرمني وتَنزل عندي وتحرِّم طعامي ( أي تكون بيننا حرمة وذمّة بتناول الطعام )، فقال: يا منهال، تُعلِمُني أنّ عليَّ بن الحسين دعا بثلاث دعوات، فأجابه الله على يدي، ثمّ تأمرني أن آكل ؟! هذا يوم صومٍ شكراً لله عزّوجلّ على ما فعلتُه بتوفيقه (4).
وشيّع المختارُ إبراهيمَ بن مالك الأشتر ماشياً يبعثه إلى قتال عبيدالله بن زياد، فقال له إبراهيم: اركبْ رَحِمَك الله، فقال المختار: إنّي لأحتسب الأجر في خُطايَ معك، وأحبُّ أن تَغْبَرَّ قدمايَ في نصر آل محمّد صلّى الله عليه وآله. ثمّ ودّعه وانصرف.. فسار ابن الأشتر إلى المدائن يريد ابنَ زياد، ثمّ نزل نهرَ الخازر بالموصل شمال العراق، وكان الملتقى هناك، فحضّ ابن الأشتر أصحابه خاطباً فيهم:
يا أهلَ الحقّ وأنصار الدين، هذا ابنُ زيادٍ قاتلُ حسين بن عليٍّ وأهلِ بيته، قد أتاكم اللهُ به وبحزبه حزب الشيطان، فقاتلوهم بنيّةٍ وصبر؛ لعلّ الله يقتله بأيديكم ويشفي صدوركم.
وتزاحفوا.. ونادى أهل العراق: يا آلَ ثارات الحسين. فجال أصحاب ابن الأشتر جولةً..، وحمل ابن الأشتر يميناً فخالط القلب وكسرهم أهل العراق فركبوهم يقتلونهم، فانجلت الغُمّة وقد قُتل عبيدُ الله بن زياد، وحصين بن نمير، وشرحبيل بن ذي الكلاع، وأعيان أصحابهم.
وأمر إبراهيم بن الأشتر أن يطلب أصحابه ابنَ زياد، فجاء رجل فنزع خُفَّيه وتأمّله.. فإذا هو ابن زياد على ما وصف ابن الأشتر، فاجتزّ رأسه، واستوقدوا عامّة الليل بجسده (5).
قيل: وبعث إبراهيم بن الأشتر برأس ابن زياد ورؤوس أعيان مَن كان معه إلى المختار، فقُدِم بالرؤوس والمختارُ يتغدّى، فأُلقيت بين يَدَيه.. فقال: الحمد لله ربّ العالمين! وُضع رأسُ الحسين بن عليّ عليه السّلام بين يدَي ابن زياد لعنه الله وهو يتغدّى، وأُتيتُ برأس ابن زياد وأنا أتغدّى! فلمّا فرغ المختار من الغداء قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله، ثمّ رمسى بالنعل إلى مولىً له وقال له: إغسلْها؛ فإنّي وضعتُها على وجهِ نجسٍ كافر. ثمّ بعث المختار برأس ابن زياد إلى محمّد بن الحنفيّة وإلى عليّ بن الحسين عليه السّلام، فأُدخل عليه وهو يتغدّى.. فقال عليه السّلام: أُدخِلتُ على ابن زياد ( أي حينما أُسر وجيء به إلى الكوفة ) وهو يتغدّى ورأسُ أبي بين يدَيه، فقلت: اللهمّ لا تُمتْني حتّى تُريَني رأسَ ابنِ زياد وأنا أتغدّى.. فالحمد لله الذي أجاب دعوتي (6).
وفي رواية ابن نما الحلّيّ: فسجد عليّ بن الحسين عليه السّلام؛ شكراً لله، وقال: الحمد لله الذي أدرك لي ثأري مِن عدوّي، وجزى اللهُ المختارَ خيرا (7). قال قوم من أصحاب الحديث: إنّ قتل ابن زياد كان يوم عاشوراء سنة سبعٍ وستّين (8).
أمّا عمر بن سعد.. فكان المختارُ قد سُئل في أمانه، فآمَنَه على شرط ألاّ يخرج من الكوفة، فإن خرج منها فدمُه هدر. فأتى عمرَ بن سعد رجلٌ فقال له: إنّي سمعت المختار يحلف ليقتلنّ رجلاً، واللهِ ما أحسَبُه غيرَك! قال الراوي: فخرج عمر حتّى أتى الحمّام ( الذي سُمّي فيما بعد بحمّام عمر ) فقيل له: أترى هذا يخفى على المختار! فرجع ليلاً.. ثمّ أرسل ولدَه حفصاً إلى المختار الذي دعا أبا عَمرة وبعث معه رجلين فجاؤوا برأس عمر بن سعد فتأسّف حفص وتمنّى أن يكون مكان أبيه، فصاح المختار يا أبا عَمرة، ألْحِقْه به.. فقتله، فقال المختار بعد ذلك: عُمَر بالحسين، وحفص بعليّ بن الحسين ( أي الأكبر )، ولا سَواء!
واشتدّ أمر المختار بعد قتل ابن زياد، وأخافَ الوجوه، وكان يقول: لا يسوغ لي طعامٌ ولا شراب حتّى أقتلَ قَتَلَةَ الحسينِ بن عليّ عليه السّلام وأهلِ بيته، وما مِن دِيني أترك أحداً منهم حيّاً. وقال: أعْلِموني مَن شرك في دم الحسين وأهل بيته.. فلم يكن يأتونه برجل فيشهدون أنّه من قَتَلَة الحسين أو ممّن أعان عليه، إلاّ قتله (9).
وذكر الطبريّ في تاريخه أنّ المختار تجرّد لقَتَلَة الحسين وأهل بيته، وقال: اطلبوهم؛ فإنّه لا يسوغ ليَ الطعامُ والشراب حتّى أُطهِّر الأرضَ منهم. وذكر بعض المؤرّخين أنّه عذّب قتلةَ الحسين عليه السّلام تعذيباً يشابه فعلتَهم الإجراميّة في كربلاء، حتّى أباد ـ كما قيل ـ ثمانية عشر ألفاً منهم خلال ثمانية عشر شهراً من حكومته، وهرب الكثير.. فلاحقهم ونكّل بهم (10).
هذا من جهة، ومن جهة أُخرى كان المختار يعيد شيئاً من الحقوق المهتضَمة المستلبة مِن أهل البيت عليهم السّلام.. من ذلك أنّه بعث عشرين ألفَ دينارٍ إلى الإمام عليّ بن الحسين عليه السّلام، فقَبِلَها منه وبنى بها دار عقيل بن أبي طالب ودارَهم التي هُدِمت! (11)
ومن مواقف المختار أيضاً.. بعثُه جاريةً هديّةً منه إلى الإمام عليّ بن الحسين عليه السّلام، والتي أولدتْ له زيداً الشهيد رضوان الله عليه (12).
فأعرب المختار الثقفيّ عن إيمانه وغيرته، وعن ولائه وإخلاصه وهمّته.. وفوق هذا حُسن نيّته، وذِكرُه الحسَن الذي جرى على لسان أئمّته.




رد مع اقتباس