الحلقة 🌹3🌹
تتجه آمال لباب المنزل وهي تهمّ في الإنصراف، فتلمحها زينب وتركض ناحيتها: آمال آمال إلى أين؟
آمال تصمت لا ترد، تصل زينب إليها، إلا أنّ آمال تشيح بوجهها عنها، وكلما حاولت زينب أن تنظر إلى وجهها كلما كانت تحاول أن تشيحه في الجانب الآخر.
زينب تقف مذهولة: آمال أنتِ تبكين! لم؟ ما الذي حدث؟
فتتعذر آمال : لا عزيزتي، إنّ شيئاً ما دخل إلى عيني وبدأت تدمع، لا تخافي، ولكن لابد لي من الإنصراف ، اعذريني. فتحت آمال الباب وانصرفت والدموع تملأ عينيها، في طريقها للمنزل، وهي تقود سيارتها استرجعت كلّ الماضي حلوه بمره، ولكنها حينما وصلت إلى محطة فقد والدتها بكت كثيراً: ماما ماما أين أنتِ؟ رحلتِ عني وأنا في أمسّ الحاجة إليكِ، رحلتِ وتركتني بين أربعة شباب أكبر مني سناً، ولكنني اضطررت لأن أكون لهم أما وأختا وصديقة، وبالخصوص بعد زواج والدي، أماه كم أتوق في هذه اللحظة لأن أرتمي في أحضانكِ، وأبكي كما الأطفال، ماما ، ماما، أو يظنون أنني بلا مشاعر؟ أو يظنون أنني بلا قلب؟ أو يظنون أنني بلا لسان بمقدوره الرد؟!، ولكنني تربيت أن أكون مؤدبة وخلوقة وصابرة، وأمنح الناس فرصة حين يسيئون، هكذا تعلمت حين قرأت باب ( حق من أساء إليك، في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام) آآآه يا أمي"
كانت والدة آمال قد رحلت بمرض السرطان حين كانت آمال في العاشرة من عمرها، بينما كان لها أربعة أخوة يكبرونها مباشرة، محمد أخيها الأكبر وكان عمره آنذاك (18 عام)، علي ( 16عام)، عبد الله ( 14 عام) وأصغرهم كان منتظر ( 12 عاما) وكان الأقرب عمرا وروحا من آمال.
آمال: " يااااه عشر سنين مرت، تزوج جميع إخوتي وتركوا البيت وانشغلوا في حياتهم، وما بقي غير أخي منتظر، وهو في آخر سنة جامعة، وها نحن الإثنان نعيش في بيتٍ خال من الأم والأب، ولكنني احمد الله أن أعطاني هذا الأخ الحنون، ساتصل به...
ألو منتظر، منتظر: أهلا أخيتي، كيف حالكِ، لم أركِ اليوم ، افتقدتكِ في البيت
آمال تختنق بعبرتها، ثم تتمالك نفسها : أخي، أحتاج أن أتحدث معك" ثم تنفجر في البكاء
منتظر: آمال ما بكِ؟!، هل أنتِ بخير؟ أرعبتني آمال : أنا بخير أخي لا تخف، فقط محتاجة أن أبوحُ لك بما في خاطري، وأستشيرك.
منتظر: تعالي أخيتي، دقائق وأكون وصلت إلى المنزل.
آمال: وأنا في طريقي للبيت أخي، شكراً لك.
تصل آمال إلى المنزل، وإذا بمنتظر يترقب وصولها، فتندفع آمال إلى احتضان أخيها وهي تبكي، فيهدأها ويجلب لها كوبا من الماء، ويجلسها على أريكة الصالة، ويجلس على جنب آخذاً بيدها : آمال ما بكِ؟ عهدتكِ قوية، فالأيام صنعت منكِ إمرأة ناضجة قبل أوانها.
آمال تتنفس الصعداء: لكنني تعبت أخي، تعبت.
منتظر: هيا قولي ما عندكٍ أسمعكِ أخية، كلي آذان صاغية
آمال: لا أدري يا أخي من أين أبدأ، ولكن قبل ذلك لديّ سؤال، ألهذا الحد أنا قبيحة؟
منتظر: قبيحة!!! أستغفر الله، ما هذا الهراء يا آمال؟!
وبدأت آمال تسرد لأخيها كلّ ما يحذث معها بالتفصيل، إلى حد آخر حدث في بيت الخالة حياة.
منتظر يستمع إلى أخته بإنصات واهتمام تام، وبعد انتهائها يعتدل في جلسته، ينظر إليها متأملا وجهها البريء ثم يشرع في الحديث: اسمعي غاليتي الرائعة، جميلٌ ما صنعتِ، وإن دل على شيء، فإنما يدل على رفيع خلقكِ، ولكن مهم جداً أن تعي حقيقة ما يقوله إمامنا السجاد عليه السلام :" وحقّ من أساء إليك، أن تعفو عنه، فإن علمت أنّ العفو يضره انتصرت" ، وقال الله تبارك وتعالى { ولمن انتصر بعد ظلمه، فأولئك ما عليهم من سبيل}
حبيبتي آمال، ما فعلته مع كل من أساء إليكِ كان قمة الأخلاق، { إدفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة، كأنه وليٌ حميم}، ما فعلته يحتاج إلى قلب كبير، وقدرة كبيرة على الصفح والغفران، ولكن ما حدث لكِ كان يقتضي منكِ أمرأً آخر، لأنّ الإساءة إليكِ تكررت من ذات الأشخاص، وعليه صار عفوكِ وتسامحكِ مضراً، إذ توهموا أنكِ ضعيفة عاجزة غير قادرة على الرد.
آمال: إذا ما كان عليّ أن أفعل أخي، هل كان يتوجب عليّ أن أصرخ في وجههم، أو أرد عليهم بنفس منطقهم؟!
منتظر: لا يا عزيزتي، لا هذا ولا ذاك، بل عليكِ الرد بلطف، ومحاولة إيقاف هذه المهزلة بالنصيحة وبإيقافهم عند حدهم حتى لا يتكرر منهم ما حدث، والكلام ينطبق على زملائكِ في الجامعة وعلى بنات العائلة، وأكرر الرد بأخلاق رفيعة وبقوة شخصية وبحزم في حال تكررت الإساءة.
آمال: وهذا ما فعلته أخي في بيت الخالة حياة.
منتظر: ولكنكِ انسحبت باكية من المكان، وهذا ضعف، كان يتوجب عليكِ المكوث ومواصلة البرنامج، مع التحدث للفتيات بقوة وإيقافهن عند حدهن.
تبسمت آمال في وجه أخيها وقالت: منتظر.. أنت رائع, شكراً لك.
منتظر: أو تشكرينني أنا! بل اشكري إمامنا السجاد، وأنصحكِ بقراءة شرح رسالة الحقوق للاإمام زين العابدين للمحقق القبانجي.
آمال: لن أشتري الكتاب، بل أنت من سيجلبه لي في عيد ميلادي القادم
يضحك منتظر: بخيلة، بقي الكثير على ذكرى مولدكِ، قرابة الشهرين، آه منك.
يضحك الإثنان، ويقرران الخروج لتناول وجبة العشاء لكسر الروتين.
في اليوم الثاني استيقظت آمال متأخرة قليلاً فقد كانت محاضرتها تبدأ عند العاشرة صباحاً، وما إن وصلت إلى ساحة الجامعة، حتى رأت مجموعة من زميلاتها وقد احتدم النقاش فيما بينهن،
📍[اقتطعه واتساب]
__________________
أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
|